لا يعرفون أن الشتاء قادم؟ – تفشي مشاعر الإحباط والخوف بين النازحين في العراق

بقلم جيمس لينتش و فرانشيسكا بيزوتيلى، باحثون في شؤون اللاجئين والمهاجرين في شمال العراق

في كل مكان في شمال العراق يصارع آلاف الأشخاص الذين شُردوا من ديارهم بسبب النـزاع في سبيل البقاء في ظل ظروف بائسة. ومع اقتراب فصل الشتاء تصبح الأوضاع أشد سوءاً.

بالقرب من ديرابون المحاذية للحدود التركية والسورية وجدت مجموعة من العائلات قطعة أرض في العراء بجانب الطريق، وأقامت عليها معظم مآويها الأساسية، ومعظمها مصنوع من الخشب والقش. وتحصل هذه العائلات على الماء، التي تقول إنها بالكاد تصلح للشرب، من ينبوع يقع على بُعد نصف ميل، ولا يتوفر لديهم أي نوع من أنواع الطاقة الكهربائية.

وبينما نحن هناك، تصل شاحنة لتوزيع فرشات مرسلة من متبرعين، ولكن عددها لا يكفي للجميع. يتشاجر الأطفال على الفرشات الأخيرة؛ وينتهي الشجار بدموع يذرفها الأطفال الذين سيقضون ليلة ثانية يفترشون الأرض الصلبة. ولا يملك العديد من الأطفال أحذية، ويطلب منا الكبار التقاط صور لأقدامهم المتورمة والمكسورة والمتصلبة، كي يرى العالم هول ما يكابدونه.

إن هذا المشهد يعطي لمحة خاطفة عن المصاعب التي يجد آلاف الأشخاص أنفسهم مرغمين على مواجهتها.

وعقب دخول قوات “الدولة الإسلامية” سنجار في مطلع أغسطس/آب أصبحت حركة تنقل الناس هائلة من حيث سرعتها وحجمها إلى حد أن مئات آلاف الأشخاص – ومعظمهم من الأقلية الأيزيدية- فروا عبر الحدود السورية وعادوا إلى شمال العراق في غضون أيام قلائل. وحتى الآن، وبعد مرور شهر، لا يتوفر لهم أي مكان قريب للإقامة فيه، ناهيك عن عدم توفر الخدمات الأساسية. وأصبحت المخيمات التي أُقيمت تعجُّ بساكنيها. أما بالنسبة للذين لجأوا إلى المدارس أو المباني غير المكتملة أو بقوا في العراء، فإن أوضاعهم المعيشية يمكن أن توصف بالوحشية.

ففي خانكي، وهي بلدة صغيرة غير بعيدة عن الخطوط الأمامية، يحتشد 91 شخصاً من النازحين داخلياً الذين شرَّدهم النـزاع في مبنى إسمنتي غير مكتمل يقع في شارع تجاري مزدحم. إن الصدمة العميقة التي يسببها اقتلاع الناس من ديارهم عنوةً وفجأةً باديةٌ تماماً على الوجوه. فهنا رجل يجلس بجوار جدار لا يقوى على الكلام نتيجة لإصابته بمثل تلك الصدمة على ما يبدو.

ويقول صاحب المبنى إنه يسمح لهم باستخدام المكان لأن أوضاعهم روَّعته وحرَّكت مشاعره. كما أن مجيء فصل الشتاء بعد شهرين أمر يقع في قمة سلم الأولويات في تفكير الجميع.

وقال أيضاً: “إن درجة الحرارة تنخفض إلى ما دون الصفر في الشتاء، ولا يوجد حائط يقيهم من البرد الذي يتسرب إلى هذا المكان. إنني قلق على أطفالهم، وخائف من أن يُصابوا بأمراض إذا مكثوا هنا.”

وبعد بداية بطيئة، تقوم الأمم المتحدة وحكومة الإقليم الآن بإنشاء مخيمات جديدة في محاولة لدرء المزيد من الكوارث مع قدوم أشهر البرد. ويبدو أن النازحين الذين يعيشون في مدارس مدينة دهوك، والبالغ عددهم 129,000 شخص، يُرجح أن يكونوا من أوائل الذين سيتم نقلهم إلى هذه المخيمات، وذلك كي يصبح بالإمكان بدء السنة الدراسية لطلبة الإقليم.

إن أزمة النـزوح في العراق، التي أصبحت بالتدريج أشد قسوة خلال عام 2014، مع نشوب النـزاع في الأنبار والموصل وسنجار، قد ألحقت الضرر بجميع المنتمين إلى الجماعات العرقية والدينية تقريباً- والأكثر تضرراً هم المسيحيون الآشوريون والشيعة التركمان والشيعة الشبك وأفراد الطائفة الأيزيدية والكاكاي والصابئة المندائيون. وثمة نحو 1.5 مليون نازح داخلياً في شتى أنحاء البلاد، مما يدفع المنظمات الإنسانية إلى التوسع والنضال من أجل الحصول على دعم للنازحين في المناطق التي تعتبر خطيرة للغاية على الموظفين الذين يودون السفر إلى إليها.

وتتفشى مشاعر الإحباط والارتباك في كل مكان من جراء عدم وصول المساعدات بشكل أسرع. وقد حظيت مجموعة من المسيحيين الذين يقيمون في طوابق التسوية بكنائس إربيل، بزيارات لمسؤولين أجانب، من بينهم وزير الخارجية الفرنسي، ولكن على الرغم من هذا الاهتمام، فإنهم ما زالوا يحصلون على الماء بشكل متقطع، وينام في الخيمة الواحدة نحو 60 شخصاً.

وفي حين أن العالم يركز على كيفية التعامل مع الخطر الذي تمثله “الدولة الإسلامية”، فإن النازحين من جراء النـزاع يتساءلون عن ماهية خياراتهم للمستقبل. وليس ثمة من يتوقع نهاية سريعة للنـزاع، ولكن العديد من الناس باتوا مقتنعين بأنه حتى لو أُرغمت قوات “الدولة الإسلامية” على مغادرة بلداتهم في نهاية المطاف، فإنهم لن يتمكنوا من العودة إلى منازلهم. ويقولون إن ثقتهم في قدرة القوات العراقية والكردية على حمايتهم من الاعتداءات المستقبلية قد اهتزَّت.

ويقول العديد منهم إنهم يودون مغادرة العراق بحثاً عن بلد آخر يعيشون فيه. فهذا والد لثلاثة أطفال وعلى مستوى جيد من التعليم يقيم في بلدة الشريعة ويفكر باصطحاب عائلته إلى تركيا، حيث سيحاول عبور الحدود مع اليونان بصورة غير شرعية، ومنها إلى الاتحاد الأوروبي. ونحن بدورنا نقوم بتوضيح خطورة هذا العبور، وكيف أنه قد لا يحمل له حياة أفضل لعائلته، ولكنه يتساءل عن الخيارات الأخرى المتاحة له، فيقول:

“ما الذي يمكننا أن نفعله؟ فنحن لا نستطيع العودة إلى وطننا. ونعلم أنه لن يحمينا أحد، ولا يوجد الكثير من بوارق الأمل هنا. زوجتي حامل في الشهر التاسع، ولذا فإنني أفكر بالذهاب بعد بضعة أسابيع من ولادة الطفل، كي يكون بوسعنا عبور الجبال قبل حلول الشتاء.