التعذيب شر لا ضرورة له

بقلم: إميلي نيفينـز، مديرة برنامج الحملات في منظمة العفو الدولية

مع انتشار النـزاعات في شتى أنحاء المعمورة يُستخدم التعذيب على نطاق واسع. فعلى مدى خمسة عقود، ما فتئت منظمة العفو الدولية تبذل جهداً ريادياً كبيراً ضد إساءة المعاملة في العالم بأسره- واليوم نقوم بتصعيد حملتنا بمناسبة اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب.

منظمة العفو الدولية تبذل جهداً ريادياً ضد إساءة المعاملة في العالم بأسره وتقوم بتصعيد حملتها بمناسبة اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب.
© Amnesty International
منظمة العفو الدولية تبذل جهداً ريادياً ضد إساءة المعاملة في العالم بأسره وتقوم بتصعيد حملتها بمناسبة اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب. © Amnesty International

 يصادف اليوم الذكرى السابعة عشرة لليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب، بعد مرور 30 عاماً على اعتماد اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب. وكان يحدونا الأمل في أنه بعد عقود ثلاثة من النضال ضد التعذيب سيكون عدد الضحايا الذين تساندهم منظمة العفو الدولية أقلَّ من ذي قبل.

صحيح أن العديد من الحكومات الـ 155 التي انضمت إلى اتفاقية مناهضة التعذيب اتخذت خطوات ملموسة وعملية لتقليص معدلاتالتعذيب وغيره من ضروب إساءة المعاملة بشكل كبير.

ولكن أنباء التعذيب وغيره من أشكال إساءة المعاملة لا تزال تتدفق على مكاتبنا يومياً. وفي عالم مصدوم بخطر الإرهاب، فإن المواقف من التعذيب تبدو متناقضة على نحو متزايد. فالخوف من الجماعات المسلحة القوية في بلدان مثل نيجيريا والعراق وليبيا يؤدي إلى تليين العزيمة الدولية عندما يتعلق الأمر بتنفيذ حظر التعذيب. كما أن الحاجة إلى المحافظة على ولاء قوات الأمن تؤدي إلى كبح التحقيقات في الانتهاكات التي تقع في أماكن من قبيل أُكرانيا.

وإذا تحدثتَ إلى معظم الناس في الشوارع حول التعذيب، فإنهم سيتفقون معك على ضرورة تجريم هذه الممارسة. وبالفعل فقد وجدنا أن 82 بالمئة من الناس حول العالم يؤيدون هذا المبدأ. بيد أنك إذا جعلتَ هذا السيناريو ملموساً بشكل أكبر قليلاً، فإن المواقف تبدأ بالتغير؛ إذ أظهرت الدراسة المسحية نفسها أن 36 بالمئة من المبحوثين يعتقدون أن التعذيب ضروري لحماية الجمهور في بعض الأحيان.

كم عدد النيجيريين الذين يمكن أن يسمحوا بتعذيب أحد المشتبه بهم من منظمة “بوكو حرام” في سبيل إعادة بناتهم التلميذات- بدون التفكير باحتمالات أن يكون المشتبه بهم متهمين بغير وجه حق؟ وكم عدد الأُكرانيين الذين يمكن أن يدافعوا عن إساءة معاملة المقاتل الروسي المشتبه في أنه يثير الاضطرابات داخل حدودهم في الوقت الذي ينسون فيه ضحايا الميدان؟ إننا لا نستطيع الاعتماد على السلطات في الانتقائية. وحتى إذا كان لديهم مشتبه بهم حقيقيون، فإن الحقيقة المرة هي أن التعذيب ممارسة همجية للغاية، إلى حد لا يمكن معه القبول بها. إن حظر التعذيب يجب أن يكون مطلقاً.

ومن المؤسف أن التعذيب في النـزاعات ليس جزءاً من الصورة العالمية. ففي عالم لا يزال يشهد تفشي التحامل والتمييز والقمع والعنف، يتعرض أُناس للتعذيب لأنهم فقراء أو لأنهم مختلفون أو لأنهم يتجرأون على مناهضة الحكومة. إن السماح بالتعذيب لمرة واحدة يعطي الحكومات ذريعة لتوسيع الشبكة واستهداف الآخرين.

ولدى إطلاق حملتنا العالمية الرائدة “أوقفوا التعذيب” في الشهر الماضي اكتشفنا أنه من بين 155 دولة التي تعهدت بالقضاء على التعذيب عندما وقعت على الاتفاقية، قامت 79 دولة على الأقل بممارسة التعذيب أو غيره من ضروب إساءة المعاملة خلال عام 2014.

وإذا نظرنا إلى الوراء، إل ما قبل أكثر من خمس سنوات، نجد أن منظمة العفو الدولية تلقت تقارير عن وقوع التعذيب في ما لا يقل عن 141 بلداً، أغلبيتها العظمى من البلدان التي تعمل بشأنها.

ألفريدا ديسبارو من الفلبين هي واحدة من الناجين من التعذيب الخمسة الذين يركز أعضاء منظمة العفو الدولية على حالاتهم كجزء من الحملة. أنظر الرابط وقد اخبرتنا ألفريدا أن أحد كبار ضباط الشرطة قام بتثبيتها على الجدار ولكمها على بطنها ووجهها مرات عدة، وضربها بعصا، ووضع أصابعه في عينها وصفعها ووضع مكنسة في فمها وضرب رأسها بالجدار.

وبعد مرور شهر على إطلاق حملة “أوقفوا التعذيب”، فتح جهاز الشؤون الداخلية في الشرطة الوطنية الفلبينية تحقيقاً في حالة ألفريدا. وسيقوم الجهاز بالتحقيق مع أربعة من ضباط الشرطة بسبب سوء السلوك الخطير، وذلك في أعقاب رسالة مقدمة من مؤازري منظمة العفو الدولية. كما تحدثت حملتنا عن علي العراس، الذي قامت السلطات بتسليمه إلى الغرب على الرغم من وجود مخاوف من أنه يمكن أن يتعرض للتعذيب هناك. وقال علي إن ضباط المخابرات قبضوا عليه واقتادوه إلى مركز اعتقال سري، حيث قاموا بصعق خصيتيه بالكهرباء وضربه على باطن قدميه وتعليقه من رسغيه لساعات متواصلة.

وفي 21 مايو/أيار، فتحت السلطات المغربية تحقيقاً في الأنباء المتعلقة بالتعذيب إثر قرار صدر في 19 مايو/أيار عن لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب. وقد وجدت اللجنة أنه تم انتهاك عدد من مواد اتفاقية مناهضة التعذيب، وطلبت من السلطات إجراء تحقيق وتقديم تقرير عن نتائجه في غضون 90 يوماً.

وفي نهاية زيارة قامت بها المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان نافي بيلاي في 29 مايو/أيار، أعلنت بيلاي أن الملك محمد السادس أخبرها بأنه لن يسمح بممارسة التعذيب.

إن ما ذُكر ليس سوى خطوات صغيره، ولكننا نستطيع البناء عليها. إذ أن الاهتمام الدولي يمكن أن يُحدث فرقاً. ففي هذا الأسبوع سيبادر أكثر من 50 مكتباً من مكاتب منظمة العفو الدولية إلى تعبئة الأعضاء والنشطاء في القارات الخمس من أجل المشاركة في تحرك عالمي يهدف إلى مساندة ألفريدا وعلي وآخرين من أمثالهما في سعيهم إلى تحقيق العدالة.

من ستاد كرة القدم في مالي إلى باب مكتب الرئيس في أُكرانيا، سيقف أنصار منظمة العفو الدولية حول العالم تضامناً مع الضحايا ولمطالبة الحكومات باتخاذ إجراءات ملموسة تهدف إلى القضاء على التعذيب.

إن عشرات الآلاف من أعضاء المنظمة سيشاركون في سلسة من التحركات الخلاقة: طلبة مدارس بكماشات، ونساء ملفوفات بالبلاستيك، ومحتجون يستخدمون المكانس، سيقفون أمام السفارات ويعرضون أدوات وأساليب تعذيب مختلفة. وفي لشبونة ستعزف آلات موسيقية عملاقة مصنوعة من أدوات التعذيب، وستظهر تماثيل معصوبة العيون في شوارع برلين والرباط وريكيافيك.

وسنحتاج هؤلاء النشطاء مرة أخرى في العام القادم. ولكننا نأمل أن يعودوا إلى التضامن مع عدد أقل من الضحايا. فالتعذيب يجب ألا يكون أمراً لا مناص منه، بل يمكن وقفه تماماً.

ساعدْ على وقفه معنا