نظام القضاء المصري يخرج عن السيطرة

بقلم سليل شتي، خاص لشبكة سي إن إنملاحظة من المحرر: سليل شتى هو الأمين العام لمنظمة العفو الدولية.

تسلطت الأضواء، في الأسابيع الأخيرة، على نظام العدالة الجنائية في مصر، بعد أن أقرت إحدى المحاكم إنزال أكبر عدد من أحكام الإعدام في الذاكرة الحديثة. لكن هذا لم يكن من فعل قاض مارق، كما ألمح البعض. فبدلاً من ذلك فكانت الأحكام هي الأحدث في سلسلة من الحالات التي تشير إلى نظام قضائي ينفلت من عقاله دون أن يجد من يوقفه.

ففي غضون أشهر قليلة، أنهت المحاكم استعداداتها للحكم على مئات من الأشخاص بالإعدام، وقضت بسجن ناشطين قياديين، ومتظاهرين، بمن فيهم شابات، لا لشيء إلا لاحتجاجهم بصورة سلمية، وحاكمت صحفيين لمجرد قيامهم بعملهم.

وانهالت المحاكم بمطرقتها أيضاً على مؤسسات المجتمع المدني المستقلة. وففي الأسبوع الماضي، أصدرت إحدى المحاكم حكماً يحظر من الناحية الفعلية أنشطة “حركة شباب 6 إبريل”، تلك المجموعة من الناشطين التي قادت احتجاجات جماهيرية أسقطت حكومة الرئيس المخلوع، حسني مبارك، في يناير/كانون الثاني 2011.وقد تكون جماعات حقوق الإنسان في مصر التالية على خط النار، إذا ما استذكرنا محاكمات المنظمات غير الحكومية العام الماضي، التي لا تزال حية في أذهان العديد من النشطاء.

وفي الوقت نفسه، يبدو أن المدعين العامين للدولة المصرية قد تحللوا من عناء البحث عن أية ذريعة لإقامة المسؤولية الجنائية الفردية عن انتهاكات حقوق الإنسان. وعوضاً عن ذلك، وجّهوا أصابع الاتهام إلى أي شخص يشتبه في أنه يدعم، عن قريب أو بعيد، الرئيس المعزول محمد مرسي.

إن الآلاف يقبعون الآن في السجون، وأغلبهم قد اعتقل ضمن سلسلة عمليات نسخ ولصق لاتهامات تتراوح بين القتل و”المشاركة في مظاهرة غير مصرح بها”، أو عرقلة حركة المرور، أو الانتماء إلى جماعة “الإخوان المسلمين”، المحظورة الآن.

ورسالة السلطة القضائية واضحة: لا تتحدوا السلطات.ومع ذلك، فقد كان النظام القضائي في مصر، ولسنوات، إحدى المؤسسات النادرة التي كانت على استعداد للوقوف في وجه السلطات. وكثيرون ما زالوا يتحدثون عن القضاة الذين قاوموا المحاولات المتكررة لإدارة حسني مبارك لتقويض استقلالهم، والذين قاموا بإغلاق المحاكم، في ديسمبر/كانون الأول 2012، بعدما أصدر محمد مرسي إعلانات دستورية منح نفسه بموجبها صلاحيات لا حدود لها.

صحيح أن السلطات مازالت تقول إن المحاكم لا تزال مستقلة. ولكن الحقيقة التي لا تقبل الكثير من الجدل هي أن ثمة سلسلة من الأحكام التعسفية ونمطاً من العدالة الانتقائية قد مرغت سمعة محاكم مصر، التي اكتسبتها بشق الأنفس، في الطين.

وفي غضون ذلك، وبينما انشغل القضاء بتعقب معارضي الحكومة، فإنه قد غض الطرف، على مايبدو، عن انتهاكات قوات الأمن الجسيمة لحقوق الإنسان، وتجاهل الهجمات التي تعرض لها المسيحيون الأقباط والاعتداءات الجنسية على المتظاهرات.

بينما سجنت المحاكم حفنة، لا أكثر، من رجال الشرطة المسؤولين عن الانتهاكات، رغم وفاة مئات الأشخاص في الاحتجاجات واستمرار العنف السياسي، وإساءة معاملة المعتقلين.

إن السلطة القضائية، بمنحها قوات الأمين تصريح مرور إل حيث تشاء، قد فتحت الطريق أمام انتهاكات حقوق الإنسان على نطاق لم يسبق له مثيل. وعندما فككت قوات الأمن مخيم الاحتجاج في رابعة العدوية، في أغسطس/آب الماضي، بوحشية، فقد فعلت ذلك وهي تعلم بأن أحداً لن يسائلها.

وتمت العملية في وضح النهار، وراح ضحيتها مئات القتلى وسال الدم وأطلق الرصاص في الشوارع. وحتى الآن، مرت ثمانية أشهر، ولم تتم محاسبة، وبشكل صحيح، أي منتسب لقوات الأمن على أعمال القتل هذه. وعوضاً عن ذلك، يبدو أن السلطة القضائية عازمة على أن تكمل في المحاكم المهمة التي بدأتها الشرطة في الشوارع – وهي محو أي شكل من أشكال المعارضة، بدءاً بجماعة الإخوان المسلمين ومؤيديهم، وانتهاء بالنشطاء العلمانيين، مرة واحدة وإلى الأبد، بغض النظر عن التكاليف المترتبة على ذلك، أو على حقوق الإنسان، أو حتى على سمعتها هي نفسها. ومرة تلو المرة، أخبرتنا أسر أولئك الذين قتلوا في خضم الاحتجاجات والعنف السياسي بمدى ما تشعر به من يأس، أكثر من أي وقت مضى، في أن ترى العدالة تتحقق لأحبائهم.

بينما يعبِّر اولئك الذين يواجهون محاكمات فادحة الجور، عن القدر نفسه من التشاؤم.

إحدى القريبات لمن يحاكمون قالت لمنظمة العفو الدولية خارج قاعة المحكمة: “لم تعد هناك عدالة في هذا البلد. ولم يعد لنا رجاء بأحد غير الله”.

وبدورها، سارعت الولايات المتحدة، ومعها الاتحاد الأوروبي، إلى إدانة هذه التطورات الأخيرة، كما فعلت قبل ذلك مرات عديدة.بيد أن مثل هذه الاحتجاجات ما عادت تبدو أكثر من مجرد دموع تماسيح. ومن غير الجائز للسلطات الأمريكية أن تدين استخدام القوة المميتة ضد المتظاهرين من ناحية، بينما تستعد بشغف لاستئناف إرسال المعونة العسكرية الجزئية إلى السلطات المصرية من ناحية أخرى، بعد أن وافقت على تسليمها مروحيات الأباتشي.

لقد حان الوقت لوقف إرسال الرسالة المزدوجة والكيل بمكيالين. أما المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والكويت فقد دعمت حملة تكميم الأفواه ضد المعارضة علانية. كما آن الأوان لهيئة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة الاضطلاع بدورها القيادي. وإذا كانت السلطات في مصر غير قادرة على إظهار الحقيقة وإحقاق العدالة، فينبغي على “مجلس حقوق الإنسان” استطلاع آليات أخرى لتحقيق المساءلة.

وفي نهاية المطاف، وعلى الرغم من ذلك، فإذا أرادت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن يبقيا ذات صلة بالأمر، أن يضعا استراتيجية متماسكة لمعالجة أزمة حقوق الإنسان في مصر، والتخلي عن العروض غير الفعالة التي رأيناها حتى الآن.