’معظم الذين لقوا حتفهم في أوش كانوا من الأوزبك، ولكننا نحن الذين نتلقى العقاب‘

بقلم: ماكس دي هالديفانغ، الصحفي والباحث في شؤون روسيا وآسيا الوسطى

قابلتُ نيغورا خيدروفا وشقيقة زوجها سادا في مقهى مزيَّن على الطريقة الغربية، يقع في الشارع الرئيسي بمدينة أوش. ولا أستطيع أن أُخمِّن عمر المرأتين لأن الشيخوخة غزت وجهيهما، اللذيْن يشيران إلى جمال مضى، بسبب الكرب الذي أصابهما.

ففي عام 2010 اشتعلت هذه المدينة الواقعة على طريق الحرير، وهي المدينة الثانية في جمهورية قرغيزستان الآسيوية الوسطى، بنيران أعمال عنف عرقية، يشير لها السكان المحليون بأنها “الحرب”. وقد قُتل في تلك الأحداث ما يربو على 400 شخص، وأتت النيران على مناطق بأكملها عقب تحوُّل التوترات التي كانت تغلي بين السكان القرغيز المحليين والأقلية الأوزبكية الكبيرة إلى أعمال قتل واغتصاب وتدمير.

وبعد حوالي أربع سنوات تمت استعادة السلم العرقي إلى حد كبير في هذه المدينة التي يعود تاريخها إلى 3000 سنة، ولكن نشطاء حقوق الإنسان يقولون إن أفراد الأقلية الأوزبكية مازلوا يتعرضون لتمييز صارخ من جانب السلطات القرغيزية. ويُعتقد أن حوالي ثلاثة أرباع الذين قتلوا في أعمال العنف كانوا من جماعة الأوزبك العرقية، ومع ذلك فإن 96 شخصاً من أصل 107 أشخاص من المتهمين بجرائم القتل هم من الأوزبك. وذكر العديد من المعتقلين أنهم تعرضوا للتعذيب والمعاملة الوحشية على أيدي أفراد الشرطة وحراس السجن، بينما تعرَّض محاموهم وعائلاتهم لهجمات من قبل أقرباء ضحاياهم المزعومين بحسب ما ورد.

وقال أحد محاميي حقوق الإنسان إن ديلمراد خيدروف، وهو محام من أصل عرقي أوزبكي وزوج نيغورا وشقيق سادا، ذهب ضحية في قضية فظيعة.

وأضاف المحامي الذي لم يرغب في ذكر اسمه حرصاً على سلامته: “إن ستة أشخاص تجري محاكمتهم، وإن اثنين منهم في حالة صحية مريعة، وأفاد الأطباء بكل صراحة بأنهما يحتضران”.

عودةً إلى المقهى، تجلس نيغورا في شبه صمت، وقد انعكست آثار الأسى على ملامحها. وهي تتكلم بلغة روسية ركيكة وأنا لا أتكلم الأوزبكية، ولذا فإن سادا هي التي تتولى الحديث. فعندما اندلعت “الحرب” في مايو/أيار 2010، فرَّت سادا وعائلتها إلى الحدود مع أوزبكستان هرباً من عمليات القتل والحرائق الرهيبة، وتوسلت إلى شقيقها الذهاب معها، ولكنه رفض وظل يردد: “أنا رجل ويجب أن أُدافع عن بيتي وبيوت جيراني.”

وذكر عشرات الشهود من جنسيات وأصول عرقية متنوعة أنهم، في يونيو/حزيران 2010، شاهدوا ديلمراد وأصدقاء آخرين يغلقون الطريق إلى حيِّهم بهدف وقف مجموعة من الرجال الهائجين مجهولي الهوية كانوا يقومون بإضرام النار في المنازل ويقتلون المارة. وقالوا إنهم بذلك تمكنوا من إنقاذ أرواح عشرات من جيرانهم، ومعظمهم من أصل عرقي قرعيزي.

ولكن بعد انتهاء أعمال العنف بوقت قصير، قُبض على ديلمراد واتُهم بتنظيم اضطرابات جماهيرية والمشاركة فيها، والاشتراك في ثلاث جرائم قتل، وقعت عندما كان موجوداً في مكان آخر من المدينة بحسب الشهود.

وقد وُضع في الحجز الذي يسبق المحاكمة، حيث قال إن أفراد الشرطة انهالوا بالضرب على رأسه وكليتيه بالهراوات المطاطية، وإدخال دبابيس الورق تحت أظافره، وتغطية وجهه بكيس بلاستيكي. وزعم أن ذلك التعذيب استمر لمدة ثلاثة أيام. وقالت سادا إنه فقد السمع بإحدى أُذنيه إثر ضربه عليها إلى أن تفجر الدم منها. وبعد مرور سنة، ظل يعاني من مشكلات في كليتيه. وفي مواجهة كل ذلك لا يزال ديلمراد يرفض التوقيع على اعتراف.

تدسُّ نيغورا خلسةً من تحت الطاولة صورة فوتوغرافية التُقطت عن قرب لوجه ديلمراد عقب التعذيب بوقت طويل، لكنها مازالت تُظهر كدمات زرقاء على وجهه. وتبدو عين سوداء تحت حاجب كان قد أُصيب بجرح. وقالت سادا إنه في الوقت الذي تحسنت حالة ديلمراد الصحية إلى حد كبير منذ ذلك الوقت، فإنه ليس ثمة ما يشير إلى التوصل إلى حكم عادل بحقه.

وأضافت تقول: “لقد أعادت المحكمة القضية ست مرات لإجراء مزيد من التحقيقات لأنه لا تتوفر أدله ضده. وهم لا يستطيعون إدانته بسبب عدم كفاية الأدلة، ولكنهم لا يستطيعون إطلاق سراحه لأن عائلات الضحايا ستثير فضيحة. إنهم يريدون منا نقوداً. وقد طالبونا ببيع منازلنا كي ندفع لهم تعويضات. وفي 22 يناير/كانون الثاني 2014 حكمت محكمة مدينة “أوشن” على ديلمراد خيدروف بالسجن لمدة سبع سنوات. ووجد رئيس المحكمة أنه غير مذنب فيما يتعلق بتهمة القتل العمد، ولكنه وجده مذنباً فيما يتعلق بتهمة تنظيم اضطرابات جماهيرية والمشاركة فيها. بيد أن مكتب المدعي العام قدم استئنافاً للحكم في 4 فبراير/شباط، وقال إنه مخفَّف للغاية. وسيُنظر في القضية أمام محكمة أوشن الإقليمية، وربما يستغرق الأمر شهوراً قبل أن تتوصل إلى قرار.

ومضت سادا تقول: “لقد بقيتْ نيغورا وحدها مع ثلاثة أطفال لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة، وكان عمر طفلها الأصغر سنة واحدة عندما سُجن شقيقي… أما الأمر الأشد فظاعةً فهو أن معظم الأشخاص الذين لقوا حتفهم كانوا من الأوزبك، ولكننا نحن الذين نتلقى العقاب.”

وعلى الرغم من هول أوضاعهم، فإن سادا تقول إنهم غُمروا برسائل الدعم والمساندة القادمة من أشخاص غرباء تماماً من شتى أنحاء العالم، وإن بعض هؤلاء أرسلوا ألعاباً لأطفالها. وطلبت مني بشكل متكرر أن ننشر شكرهم الجزيل والدائم لأنهم ما كان بوسعهم الصمود بدون مثل تلك اللفتات اللطيفة. ونشير إلى أن تلك الرسائل جاءت نتيجة لحملة منظمة العفو الدولية من أجل التحقيق في مزاعم التعذيب الذي تعرَّض له ديلمراد، وتقديم المسؤولين عن ذلك إلى ساحة العدالة- وهو المطلب الذي ترفض السلطات القرغيزية تنفيذه.

هذه المدونة هي مقتطف تم تكييفه من مقال اطول بقلم ماكس دي هالديفانغ بعنوان: قرغيزستان والأوزبك، الذي نُشر في زاوية استعراض الكتب بصحيفة لوس أنجليس في العدد 26 يناير/كانون الثاني 2014.

بادر إلى التحرك:

يرجى كتابة مناشدات تحث فيها السلطات على إجراء تحقيق واف ومحايد وفعال في مزاعم تعذيب ديلمراد خيدروف في يونيو/حزيران 2010. ويرجى إرسال المناشدات إلى: المدعي العام عايدة ساليونوفا على العنوان التالي:General Prosecutor Aida Salianova, Generalnaya Prokuratura Kyrgyzskoi Respubliki, Ul. Toktonalieva 139, Bishkek, Kyrgyzstan.