الصحفيون في سورية مستمرون في تحدي الاعتداءات التي تستهدفهم

بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، تصف نور البزاز من فريق البحث المعني بسورية في منظمة العفو الدولية مقدار التحدي الذي يظهره صحفيو سورية في وجه الاعتداءات التي تستهدفهم من جميع الأطراف

دأبت السلطات السورية طوال عقود على محاولة قمع بروز أية “حقيقة” لا تحظى بموافقتها أولاً.  وما كان ينبغي لي على الأرجح أن أشعر بالمفاجأة حيال السرعة التي عمدت من خلالها السلطات السورية إلى تصعيد قمعها لحرية الكلام عندما اندلعت المظاهرات السلمية مناديةً بالإصلاح في عام 2011، مستلهمةً في ذلك التطورات التي شهدتها تونس ومصر وغيرهما من البلدان آنذاك.  بيد أنه وفي سياق العنف المتصاعد وعمليات القتل التي تحصل على الأرض، فلقد اتسمت الطريقة التي اتبعتها السلطات في تعزيز احتكارها لرواية ما تطلق عليه وكالة الأنباء السورية (سانا) “حقيقة الأحداث الجارية” بشيء من الأسلوب الحالم المنسلخ عن الواقع الذي نجده حاضراً في كتابات الروائي البريطاني جورج أورويل.

قمع الحكومة للإعلام

وشهد اندلاع الاحتجاجات الشعبية في مارس من عام 2011 انطلاق حملة إعلامية كبيرة في محاولة لتكذيب وسائل الإعلام التي تناقض الرواية الرسمية للأحداث.  وأضحى حصول الصحفيين الأجانب على تأشيرة دخول إلى سورية أمراً بالغ الصعوبة، فيما تعرض الآخرون منهم المتواجدين داخل سورية حينها الكثير من الترهيب الذي حملهم على مغادرة البلاد.

وبحلول أغسطس 2011، صدرت قوانين جديدة على عجل بهدف حظر قيام وسائل الإعلام بنشر معلومات حول المواضيع “الحساسة”.  ولقد أخبرني الصحفي ومحرر مجلة (شبابلك)، إياد شربجي، أنه قد استلم رسالة عبر الفاكس من وزارة الإعلام في إبريل 2011 تحدد له فيها العبارات المناسبة الواجب استخدامها لدى تغطية أخبار الاحتجاجات.  واستدعت الوزارة شربجي للاستجواب فيما بعد بدعوى عدم تقيّده بتلك المبادئ التوجيهية، وسُحبت رخصة مزاولة مهنة الصحافة منه.  ومع نهاية عام 2012 تصاعدت وتيرة مضايقة الصحفيين والمواطنين الصحفيين واعتقالهم وتعذيبهم ومقاضاتهم، الأمر الذي جعل سورية أحد أخطر الأماكن في العالم بالنسبة للصحفيين، ولا يظهر أن العام 2013 يبشر بالكثير من التغيير على هذا الصعيد.

بزوغ نجم المواطنين الصحفيين

لقد ساهمت القيود في خلق ظروف جعلت من الممكن للحكومة أن تفرض “تعتيماً” إعلاميا على العديد من المدن والبلدات، وخشي البعض أن يُستغل ذلك التعتيم كستار تقوم الحكومة خلفه بارتكاب الانتهاكات.  ومقرونةً بما يتوافر من أدوات مواقع التواصل الاجتماعي الجديدة، فلقد حملت تلك الخشية آلاف “المواطنين الصحفيين” على البدء في تسجيل ما تشاهده أعينهم.

وعبر العديد من الصحفيين الأجانب الذين قابلتهم عن دهشتهم حيال حجم المخاطر التي يتجشمها أولئك المواطنون الصحفيون في سبيل جمع المعلومات ونشرها من مناطق ما كان ليصل العالم الكثير من أخبارها لولا مخاطرتهم.  ويخبرني الصحفي البريطاني بول كونروي، الذي أُصيب أثناء قصف قوات النظام لمركز حمص الإعلامي الميداني المؤقت في فبراير 2012: “لقد كان المواطنون الصحفيون  هناك من أشجع الأشخاص الذين رأيتهم في حياتي … ولولا ما قاموا به من عمل، لما خرجت على العالم أنباء ما كان يجري في حمص، ولنجح التعتيم الإعلامي خلال الفترة التي شهدت المذابح”.

ولعل هذه هو بالضبط ما جعل من المواطنين الصحفيين يشكلون خطراً متزايداً على السلطات، مما جعلهم بالتالي أحد الأهداف الرئيسة لتلك السلطات.  فلم يكن عبد الغني كعكي مثلاً قد تجاوز الثامنة عشرة من عمره عندما أطلقت قوات النظام الرصاص عليه في مؤخرة عنقه، ليُقتل وهو منهمك في تصوير أحد الاحتجاجات في حلب.  وعلى الرغم من هذه المخاطر، فلقد عبّر المواطنون الصحفيون عن عميق تصميمهم على الاستمرار في أداء عملهم.  وقال لي معز الطعاني من درعا، الذي قامت السلطات بالتهجم على شقيقته ووالدته سعياً وراء معرفة مكان تواجده: “لقد استهدفوا عائلتي من أجل إضعاف موقفي، بيد أنهم لم ينجحوا في ذلك.  وسوف أستمر في تسجيل اللقطات وتوزيع المعلومات”.

الانتهاكات التي ترتكبها الجماعات المسلحة

ومن المؤسف أنه مع التهام دوامة العنف للبلد، فإننا نرى بعض جماعات المعارضة المسلحة تلجأ إلى انتهاك الحقوق التي زعمت أنها تقاتل من أجل الحصول عليها – بما في ذلك حقوق الصحفيين وغيرهم في التعبير عما لديهم من آراء، وإرسال مشاهداتهم كما هي دون خوف من عقاب أو انتقام.

ولجأت بعض الجماعات المسلحة إلى استخدام صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي لكشف هوية الصحفيين الذين تعتقد أنهم من الموالين للحكومة، وصنفتهم على أنهم “شبيحة الإعلام” (نسبة إلى مجموعات الشبيحة شبه العسكرية والموالية للنظام، وذات الصيت السئ فيما يتعلق بوحشية عناصرها)؛ كما وأصدرت تلك الجماعات عبر صفحاتها تهديدات بحق أولئك الصحفيين، واحتفت بمقتلهم أو نسبت الفضل في ذلك إلى عناصرها.

فعلى سبيل المثال، رفعت الجماعة المسلحة المعروفة باسم جبهة النصرة بياناً على صفحتها في أغسطس 2012، وتبنت عملية إعدام محمد السعيد دون محاكمة؛ ويُذكر أن السعيد كان يعمل كمذيع في التلفزيون السوري.  وعلى اختلاف أطيافهم السياسية، وعلى الرغم من المخاطر الجمة التي يواجهونها جميعاً، فلقد أخبرني كل من تحدثت معه من الصحفيين أنهم يتمسكون بإصرار بحقهم في التعبير عما لديهم من آراء دون خوف من أن يتم استهدافهم بالمقاضاة أو الانتهاكات أو القتل.

وأخبرتني يارا صالح التي تعمل كمذيعة في قناة الإخبارية الموالية للنظام أنها، وحتى بعض تعرضها للاختطاف وسوء المعاملة على أيدي عناصر إحدى جماعات المعارضة المسلحة في أغسطس من عام 2012، فإن أول ما قامت به عقب إطلاق سراحها هو معاودة الالتحاق بمكان عملها.  وقالت يارا: “إن حرية التعبير عن الرأي هي أحد حقوقي؛ ولا يمكنهم أن يقتلونني لممارستي هذه الحق”.

وأما الصحفي حسين مرتضى الذي أُصابه أحد القناصة في 26 سبتمبر 2012 بعد تعرضه لتهديدات من جماعات المعارضة المسلحة بزعم أنه يقوم بتغطية الأحداث لصالح النظام، فيخبرني قائلاً: “نحن نقاتلهم بالكلمة، فيما يردون علينا بالرصاص”.

وأردف مرتضى القول بإضافة جملة سمعتها تتكرر على ألسنة الكثيرين: “إنهم لا يريدون رؤية أي رأي أو صورة تختلف عما يؤمنون به … ولهذا فهم يقومون بالاعتداء علينا ومهاجمتنا”.

بادر بالتحرك الآن!

قم بالتوقيع على العريضة التي تطالب بوقف جميع الاعتداءات التي تستهدف الصحفيين في سورية.

قم بإرسال رسالة مناشدة نيابة عن المواطن الصحفي علي عثمان الذي اعتُقل في مارس 2012، ولما ترد أخبار عنه منذ أكثر من سنة.  وتتوفر جميع المعلومات التي تحتاجها على الصفحتين 22، و23 من عدد النشرة الحية في مايو/ يونيو.

اقرأ تقريرنا الجديد الصادر بعنوان “إطلاق النار على الرسول: استهداف الصحفيين من طرفي النزاع في سورية.