ناشطو المعارضة في “قفص الاتهام” وسط استمرار القمع

بقلم ديانا الطحاوي، الباحثة في الشؤون المصرية بمنظمة العفو الدولية

حضرتُ اليوم في دار القضاء العالي أولى جلسات محاكمة 12 شخصاً بينهم ثلاثة من الناشطين البارزين، وذلك بعد اتهامهم بمهاجمة وحرق المقر الانتخابي للمرشح السابق للانتخابات الرئاسية، أحمد شفيق، بتاريخ 28 مايو/ أيار 2012.

وتخشى منظمة العفو الدولية أن ملاحقة الناشطين في هذه القضية تأتي على خلفية دوافع سياسية، وذلك في ظل قمع السلطات المصرية لحرية التعبير عن الرأي والمعارضة.

وفي المحاكمة التي حضرها محامون متخصصون في حقوق الإنسان، وناشطون من المعارضة، ومراقبون دوليون من الاتحاد الأوروبي وآخرون من ممثلي السلك الديبلوماسي، وأصدقاء المتهمين ومؤيدوهم، أنكر المتهمون جميع التهم المسندة إليهم جملة وتفصيلاً.  وقرر القاضي تأجيل النظر في القضية حتى يوم 3 سبتمبر، وذلك استجابة لطلب محامي الدفاع بالاطلاع على جميع تفاصيل ملف القضية واستدعاء الشهود  الاثبات.  وكان بعض ناشطي المعارضة البارزين من بين المتهمين الذين مثلوا أمام المحكمة اليوم.

ويُعرف اثنان من الناشطين، وهما علاء عبد الفتاح وأخته منى سيف، بمعارضتهما الشديدة لأحمد شفيق.  كما اشتُهرا بتوجيه الانتقادات للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، والرئيس مرسي، وحزب العدالة والحرية الحاكم، وجماعة الإخوان المسلمين.

ولقد تعرض علاء ومنى للمضايقات أو الاعتقال، في السابق جراء مجاهرتهما بمعارضتهما، ومشاركتهما في المظاهرات.

واعتُقل علاء عبد الفتاح بتاريخ 13 نوفمبر 2011 بتهمة المشاركة بأعمال العنف في الاحتجاجات التي اندلعت أمام مبنى الإذاعة والتلفزيون في ماسبيرو بالقاهرة، وهي الأحداث التي أوقعت 27 قتيلاً.  ولقد احتُجز حينها إلى أن أُخلي سبيله في ديسمبر بانتظار انتهاء التحقيقات.  وتعتقد منظمة العفو الدولية أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة قد استهدف علاء عبد الفتاح جراء دوره البارز كمدون وناشط.  ولم يجر أبداً إبراز أدلة مقنعة تعزز التهم المسندة إليه، وعليه، فلقد جرى في إبريل 2012 إسقاط جميع التهم المسندة إليه.

ولقد استدعت النيابة العامة علاء للاستجواب مؤخراً على خلفية تتعلق بالاحتجاجات التي وقعت أمام مقر جماعة الإخوان المسلمين في القاهرة بتاريخ 22 مارس.

وقال علاء لهيئة المحكمة اليوم أنه لم يشارك في الاحتجاج أمام مقر شفيق الانتخابي، وأنه سمع لاحقاً الأخبار التي تحدثت عن وقوع الاعتداء.

ولقد شاركت منى سيف في تأسيس حركة “لا للمحاكمات العسكرية” في مصر، وهي إحدى المرشحات لنيل جائزة “مارتن إينالز للمدافعين عن حقوق الإنسان” هذا العام.  وتعرضت منى للاعتقال والضرب على أيدي عناصر من القوات المسلحة أثناء اعتصام أمام مقر الحكومة المصرية في ديسمبر 2011.  وفي المحكمة، أوضحت منى أنها كانت في وسط البلد بالقاهرة أثناء الهجوم على مقر شفيق الكائن في حي آخر من أحياء القاهرة الكبرى.

كما يُعرف عن الناشطين الآخرين معارضتهم للحكومة الحالية.  وكان أحمد عبد الله وحركة شباب 6 إبريل التي ينتمي إليها من مؤيدي الرئيس مرسي في بادئ الأمر عندما كان مرشحاً في جولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية المصرية العام الماضي.  بيد أنه وحركته قد أصبحوا أكثر انتقاداً لسياسات مرسي، وفي نوفمبر 2012 صعّدوا من معارضتهم العلنية له ولحزب الحرية والعدالة والإخوان المسلمين.

وكانت نقطة التحول في مواقفهم مقتل أحد أعضاء الحركة، ويُدعى جابر صلاح جابر (17 عاماً)، أثناء احتجاجات أمام وزارة الداخلية في العشرين من نوفمبر 2012 – ليكون بذلك أول قتلى المعارضة أثناء فترة حكم الرئيس مرسي.

وبعد يومين من تلك الواقعة، أصدر الرئيس مرسي اعلاناً دستورياً منح نفسه بموجبه صلاحيات مطلقة.  ومنذ ذلك الحين، دأب أعضاء حركة شباب 6 إبريل على المشاركة بشكل منتظم في المظاهرات المناوئة للرئيس مرسي ووزارة الداخلية، وتعرض عدد من أعضاء الحركة للاعتقال أثناء مشاركتهم في تلك المظاهرات.

وفي الشهور الأخيرة، استمر أحمد عبد الله في إدانته النشطة لانتهاكات حقوق الإنسان، وتحشيد مساندة الرأي العام.  وقال لمنظمة العفو الدولية، ولهيئة المحكمة، أنه لم يكن متواجداً أمام مقر شفيق وقت الهجوم عليه.

كما مثُل أمام هيئة المحكمة اليوم أيضاً متهم آخر يُدعى بهاء عبد العظيم بسطويسي، وهو أحد مؤسسي حزب الجبهة الديمقراطية من دمنهور.  ولقد اعتُقل عدة مرات أثناء حكم مبارك، وخصوصاً في 6 إبريل 2008 بداعي مشاركته في الاحتجاجات.

ولقد أنكر بسطويسي اليوم التهم المسندة إليه، وذكر أنه كان يحاول في الأثناء فض اشتباك اندلع في محيط منطقة الهجوم.  وعقب اعتقاله بتاريخ 28 مايو 2012، ظل محتجزاً حتى 18 يونيو عندما تم إخلاء سبيله بانتظار الانتهاء من التحقيقات.  ولقد أخبر منظمة العفو الدولية أنه قد جُرد من ملابسه وتعرض للضرب على أيدي عناصر قوات الأمن في آخر أيام احتجازه في دمنهور.

وفي 7 مارس من العام الجاري، أحالت نيابة شمال الجيزة هؤلاء الناشطين وثمانية آخرين إلى المحاكمة بتهم افتعال حريق عمد وإلحاق الأضرار بالممتلكات، والسرقة واستخدام العنف، وذلك على خلفية الهجوم الذي وقع على المقر الانتخابي للمرشح السابق أحمد شفيق بتاريخ 28 مايو 2012.  وبغية تأييد مزاعمه، أفرط النيابة في الاعتماد على الإفادات الشهود المزعومين، وهم سبعة أشخاص بينهم رئيس المباحث.

وتأتي هذه القضية المرفوعة ضد الناشطين وسط تصعيد مقلق تقوم السلطات المصرية من خلاله بتحريك قضايا بدوافع سياسية ضد ناشطي المعارضة واستهدافهم بالمضايقات والاعتقالات هم وغيرهم من الصحفيين والمدونين والمحتجين وآخرين غيرهم.

ويرسل هذا القمع برسالة مفادها أن أنصار الممانعة والمعارضة ما انفكوا يدفعون دفع ثمن باهظ حتى تحت حكم أول رئيس مصري منتخب ديمقراطياً منذ “ثورة 25 يناير”، وتُعد بمثابة تذكار مرعب بأن الحكومات الراهنة تقلد سابقاتها وتحذو حذوها – سواء أكانت تحت حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، أو في عهد الرئيس حسنى مبارك قبل الإطاحة به.

إقرأ المزيد :مصر: توجيه تُهم إلى المزيد من الأشخاص في ظل تصاعد حملة القمع لحرية التعبير والمعارض