ما بين خطر المكوث، وخطر الرحيل: مأزق اللاجئين في مخيم ييدا

بقلم أليكس نيفي، الأمين العام لفرع منظمة العفو الدولية في كندا، وخيرونيسا دهالا، الباحثة في شؤون جنوب السودان

19 يناير/ كانون الثاني، 2013 – مرت تسعة أشهر منذ أن قمنا بآخر زيارة لنا لمخيم ييدا للاجئين في جنوب السودان؛ ومن المدهش أن نرى حجم التغيير الذي حصل هناك مع عودتنا لزيارة المخيم مرة أخرى – وبنفس القدر من الدهشة، فمن المزعج جداً أن نرى أيضاً ما الذي ظل على حاله دون أن يطاله تغيير.

ظل المخيم على مدار العام ونصف العام الماضيين الوجهة التي يقصدها اللاجئون الفارون من الانتهاكات الهائلة لحقوق الإنسان، والأزمة الإنسانية في ولاية جنوب كردفان بالسودان.

فعندما زرنا المخيم في أبريل/ نيسان الماضي، كان هناك حوالي 20 ألف لاجيء يقيمون داخل مخيم ييدا، بيد أن المئات استمروا في الوصول بشكل يومي.

وأصبح المخيم الآن هو مكان إقامة ما يربو على 60 ألف من لاجئي النوبة من السودان.  وسرعان ما عاود المعدل اليومي لتدفق اللاجئين ووصولهم إلى الارتفاع مع انتهاء موسم الأمطار التي تهطل دون هوادة في تلك المنطقة، حيث يصل الآن إلى المخيم حوالي ألف لاجيء كمتوسط يومي.

ولعمري إن ذلك لهو تغير كبير.  فلقد تضخم حجم المخيم بشكل ملحوظ – إذ تضاعف حجمه ثلاث مرات في غضون ثمانية أشهر.

وإلى جانب التدفق الهائل للاجئين، فثمة المزيد هنا.  إذ يعج سوق المخيم بالحركة، وثمة حركة دؤوبة لبناء المنازل حيثما وليت وجهك – أي منازل بمعنى المنازل؛ فهي أكثر من مجرد أكواخ القادمين الجدد المغطاة بالقش، بل منازل مريحة من الطوب المتين.  وإلى جانب كل هذا النمو، فيظهر أنه ثمة مزاج عام أكثر هدوءاً يسود المخيم.

ولكن، ثمة الكثير من الأشياء التي لم يطالها التغيير أبداً.  وهذا ما يبعث على عميق القلق بالفعل.أولاً وقبل كل شيء بالطبع، تستمر انتهاكات حقوق الإنسان وخروقات أحكام القانون الدولي في الانتشار على نطاق واسع على الجانب الآخر من الحدود.

فلقد أجرينا مقابلات اليوم مع بضعة لاجئين ممن وصلوا إلى مخيم ييدا في الأسابيع القليلة الماضية.  وكان لدى كل واحد منهم قصة وحكاية تتشابه بشكل مأساوي مع حكاية الآخرين، وتكرر ما سمعناه أثناء زيارة العام الماضي.

فلا يزال القصف الجوي الذي تقوم به طائرات سلاح الجو السوداني من طراز أنطونوف مستمراً.  وأطلعنا الناس على أسماء العديد من أقاربهم وجيرانهم الذين قُتلوا أو أُصيبوا بجروح بليغة – بما في ذلك الرضع الذين لم يتجاوزا عامهم الأول بعد – جراء وابل القنابل التي تمطرها طائرات الأنطونوف فوق رؤوسهم.  ولقد عرض علينا أحدُهم الندب التي خلفتها في جسده جراح حديثة العهد جراء إصابته بشظايا إحدى القنابل.

وإلى جانب هذا الرعب الذي يحلق في الأجواء، فلقد تحدث الجميع عن هول الخسائر في الأرواح التي حصدها الجوع في جنوب كردفان.

فلقد دمر القصف مخازن الغذاء، وحرق الحقول وأتلفها بحيث يستحيل زراعتها مجدداً الآن.  وتماماً كما فعلوا في عام 2012، يقوم الناس الآن بالفرار إلى مخيم ييدا فَرَقاً وخوفاً من القنابل والمجاعة.

وأما العنصر الآخر الذي لم يطاله التغيير فكان ما عبرت عنه الأمم المتحدة من بواعث قلق حيال الموقع الجغرافي للمخيم الذي يشكل خطراً عظيماً على سكانه – إذ أُقيم المخيم على بقعة من الأرض تقع على الحدود الفاصلة بين دولتي السودان، وجنوب السودان، وعلى جانب طريق استراتيجي وهام.  وترغب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في نقل اللاجئين بعيدأً عن مخيم ييدا.

ولقد حاولت العام الماضي أن تشجع اللاجئين على الانتقال إلى مخيم نييل الذي يقع على مسافة ساعتين باتجاه الجنوب.  ولقد نُصبت خيام لإيواء 9 آلاف لاجيء، بيد أن عدد الذين انتقلوا إلى المخيم الجديد لم يتجاوز 10 بالمائة من إجمالي طاقة استيعاب المخيم.  ونظراً لمجموعة واسعة من الأسباب، وخصوصاً إمكانية تعرض موقع مخيم نييل للفيضانات في الموسم المطير، فلقد آثر لاجئو مخيم ييدا عدم التزحزح من أماكنهم.  وعليه، فلقد جرى التخلي عن فكرة انتقال اللاجئين إلى مخيم نييل.

وثمة خطط الآن لنقل اللاجئين إلى موقع آخر – حيث من المزمع افتتاح مخيم آخر في مارس/ آذار القادم يقع على مقربة من الحدود، حاله في ذلك حال مخيم ييدا، بيد أنه لن يكون بجانب طريق استراتيجي وهام.

ومع ذلك، فيقع الموقع الجديد على مقربة من منطقة واقعة تحت سيطرة الجيش السوداني، وليس جيش الحركة الشعبية لتحرير السودان/ الشمال الذي يسيطر بدوره على المناطق القريبة من مخيم ييدا.

وعليه، فلقد أصر العديد من اللاجئين الذي أجرينا مقابلات معهم، على عزمهم عدم الانتقال مجدداً.  فقد بدأوا يشعرون أنه قد استقر بهم الوضع في مخيم ييدا، ويخشون في الوقت نفسه من قرب المخيم الجديد من الجيش السوداني.  ولخصت إحدى اللاجئات الوضع بقولها: “لماذا قد يرغب اللاجئون في الانتقال إلى مناطق تقع بالقرب من عدوهم؟”

إن هذه لمعضلة بحق، وسف نعكف على استكشاف أبعادها وجوانبها خلال قادم الأيام.  ولقد أخبرنا بعض اللاجئين أنهم يفضلون العودة إلى جبال النوبة على الانتقال إلى المخيم الجديد.  وليس هذا هو الحل بالطبع.

اقرأ المزيد:

Sudan’s civilians in crisis: Indiscriminate attacks and arbitrary arrests pervade Southern Kordofan (Public statement, 11 December 2012)

بعد مضي عام: فشل قيادتي السودان وجنوب السودان يفضي إلى أزمة لحقوق الإنسان – أخبار 11 يوليو 2012 2012)

South Sudan: ‘We can run away from bombs, but not from hunger’: Sudan’s refugees in South Sudan (Report, 7 June 2012)

‘We can run away from bombs, but we can’t run away from hunger’ (Blog, 16 April 2012)