المملكة المتحدة: التلويح بتحريك دعوى أمام المحكمة العليا يتسبب بمراجعة المزاعم المتعلقة بوجود مؤامرة على مستوى إحدى الشركات

قالت منظمة العفو الدولية إنه يتعين على سلطات المملكة المتحدة أن تطلق تحقيقا طال انتظاره في دور إحدى الشركات البريطانية في واحدة من أسوأ حوادث إلقاء النفايات السامة في العقد الماضي، وذلك عقب موافقة وكالة (حماية) البيئة أخيرا على مراجعة الأدلة التي قدمتها المنظمة.

واستلزم الأمر التلويح بتحريك دعوى أمام المحكمة كي تقوم الوكالة بالتراجع عن رفضها سابقا مراجعة تقرير قانوني يدفع باتجاه احتمال تواطؤ شركة ترافيغورا، ومقرها في المملكة المتحدة، في مؤامرة لإلقاء نفايات سامة في ساحل العاج.

وتسببت الواقعة التي وقعت في أغسطس/آب 2006 بكارثة بيئية وصحية في أبيدجان حيث أُبلغ عن وفاة 15 شخصا واضطرار أكثر من 100.000 شخص إلى طلب الحصول على مساعدات طبية عاجلة، ولا زال التلوث مستمرا على الرغم من أعمال التنظيف واسعة النطاق.

وفي معرض تعليقها على الموضوع، قالت مديرة برنامج القضايا العالمية بمنظمة العفو الدولية، أودري كوكران: “إن رفض التحقيق في دور شركة ترافيغورا في تلك الجريمة المدمرة ليظهر الازدراء بواجبات المملكة المتحدة تجاه حقوق الإنسان على الصعيد الدولي.  وإن الغياب الملفت لأي شكل من أشكال الردع يمنح الشركات التي تتخذ من المملكة المتحدة مقرا لها ضوءاً أخضرا لارتكاب انتهاكات خطيرة في الخارج”.

وأضافت كوكران قائلة: “ولا تتمتع أنظمة العدالة بالكثير من الجاهزية كي تحقق المساءلة عندما ترتكب الشركات العاملة في الخارج انتهاكات أو إساءات.  ولا يجوز أن تكون هناك شركات فوق القانون.  وبوسع وكالة البيئية أن تساعد على تغيير الوضع من خلال إطلاق تحقيق جنائي كامل بناء على الأدلة التي زودناها بها الشهر الماضي”.

وفي 17 مارس/ آذار من العام الجاري، أرسلت منظمة العفو الدولية تقريرا قانونيا مفصلا إلى مصلحة الادعاء العام في المملكة المتحدة وشرطة لندن من أجل فتح تحقيق جنائي في دور شركة ترافيغورا ليميتد في كارثة عام 2006.  وكان عدد من مدراء ترافيغورا وموظفيها في المملكة المتحدة مسؤولين عن العمليات التي قادت إلى إلقاء النفايات السامة في حوالي 18 موقعا حول أبيدجان بما في ذلك مكب نفايات يقع في أحد الأحياء السكنية الفقيرة في المدينة.

ويتضمن التقرير القانوني أدلة ملموسة على الأفعال التي ارتكبتها شركة ترافيغورا وموظفوها في المملكة المتحدة ويُحتمل أن ترقى إلى مصاف التآمر على مستوى الشركة من أجل إلقاء النفايات في الخارج بما يخالف القانون الجنائي في المملكة المتحدة لعام 1977.

وقالت أودري كوكران: “لقد وفرنا أدلة على احتمال ضلوع إحدى الشركات البريطانية في ارتكاب جريمة خطيرة في المملكة المتحدة خلقت تبعات كارثية لعشرات الآلاف من الناس في كوت ديفوار.  ومع ذلك فلم تُحاسب الشركة أو أي من الأفراد الضالعين في الموضوع داخل المملكة المتحدة”.

وإلى اليوم، لم تتلق منظمة العفو الدولية ردا بشأن الموضوع من شرطة لندن.  وفي إبريل/ نيسان، مررت مصلحة الادعاء العام تقرير منظمة العفو الدولية إلى وكالة البيئة والتي أبدت بعد أشهر رفضها مجرد حتى التفكير في التحقيق في القضية.

وعندما عزمت منظمة العفو الدولية على الطعن أمام المحكمة العليا في المملكة المتحدة في قرار الوكالة، وافقت هذه الأخيرة على مراجعة الأدلة التي قدمتها العفو الدولية.  ومن المفترض أن تبت الوكالة بالموضوع في 19 ديسمبر/ كانون الأول وأن تقرر فيما إذا كانت سوف تفتح تحقيقا كاملا في دور شركة ترافيغورا ليميتد أم لا.

وقالت كوكران: “يسرنا موافقة وكالة البيئة على النظر في الأدلة التي زودناها بها.  ولكن يظهر أن الأمر قد استلزم التلويح بتحريك دعوى قضائية قبل أن تأخذ سلطات المملكة المتحدة القضية على محمل الجد.  وعلى الرغم من توافر أدلة على ارتكاب جريمة خطيرة، فلقد تمت إحالتنا من وكالة إلى أخرى بعد أن أنكرت جميعها أي قدرة لديها على القيام بتحرك ما”.

واختتمت أودري كوركان تعليقها قائلة: “لو حدثت حادثة إلقاء النفايات السامة هذه داخل المملكة المتحدة لأصبحت فضيحة وطنية ودولية ولاتخذت إجراءات سريعة وحاسمة لإحالة المسؤولين عنها إلى القضاء.  ولا يمكن أن تعتبر السلطات في المملكة المتحدة نفسها في حل من مسؤولية التحقيق لمجرد أن الكارثة قد ارتُكبت في الخارج وتكشفت تفاصيلها في الداخل”.

خلفية 

في 19 أغسطس/ آب 2006، أُلقيت نفايات سامة في 18 موقعا في مدينة أبيدجان وما حولها.  ولقد أنتجت تلك النفايات شركة ترافيغورا لتجارة السلع الدولية على متن سفينة الشحن “بروبو كوالا” لدى استخدامها الصودا الكاوية “لغسيل” منتج نفطي يحتوي على نسبة عالية جدا من الكبريت يُطلق عليه اسم “كوكر نفطه (المزيج البترولي)”.

وتفرز هذه العملية نوعا من النفايات الخطرة ذات الرائحة الكريهة يُعرف باسم “الصودا المنضبة”.  وشملت أنواع النفايات التي تحملها سفينة “بروبو كوالا” على متنها الصودا المنضبة وبقايا الكوكر نفطه.  ومع إخفاقها بالتخلص من تلك النفايات بطريقة سليمة في أوروبا، قامت شركة ترافيغورا بنقل النفايات بشكل غير قانوني إلى ساحل العاج وتعاقدت مع شركة محلية للتخلص منها.

وتزعم شركة ترافيغورا أنها اعتقدت أن الشركة المحلية سوف تتخلص من النفايات بطريقة آمنة وقانونية، ولكن تظهر الأدلة التي زودت منظمة العفو الدولية السلطات البريطانية بها أن ترافيغورا قد عرفت مسبقا أنه سوف يتم إلقاء النفايات فقط وليس التخلص منها حسب الأصول.  وعلى الرغم من معرفتها بالحاجة لمعالجة النفايات بطريقة متخصصة قبل أن يتم التخلص منها بطريقة آمنة، فلقد دفعت ترافيغورا لشركة المحلية ما يقرب من 17.000 دولار أمريكي “لتفريغ” النفايات في مكب نفايات ضخم مكشوف غير مناسب البتة للتعامل مع هذا النوع من النفايات.  وجاءت شروط الاتفاق بين الشركتين في مذكرة بخط اليد من صفحة واحدة لا تشير من قريب أو بعيد إلى أي تدابير احتياطية تجب مراعاتها أثناء التخلص من النفايات.  وبعد إلقاء النفايات، طلبت ترافيغورا من الشركة المحلية أن تعد فاتورة مزيفة ومنقحة تورد سعرا أكبر بكثير من السعر الذي تقاضته الشركة ويصل إلى 100.000 دولار بدل تكلفة التخلص من النفايات.

وبعد إلقاء النفايات، استيقظ عشرات الآلاف من سكان أبيدجان صباح يوم 20 أغسطس/ آب 2006 وهم يشتكون من الغثيان والصداع وصعوبات التنفس والحرقة في العينين والجلد.  وسعى أكثر من 100.000 شخص للحصول على مساعدة طبية عاجلة واستدعى الأمر القيام بجهود كبيرة لإزالة التلوث وتنظيف آثار النفايات.

كما سجلت السلطات الإيفوراية وفاة 15 شخصا على الأقل، ولكن الرقم الفعلي وكذلك حقيقة التلوث المستمر والآثار طويلة الأجل على صحة السكان لا زالت غير معروفة حتى الآن.  ولا زال سكان أبيدجان يطالبون بتحقيق العدالة.  ومن المفترض أن يقوم برنامج الأمم المتحدة للبيئة بتفتيش مواقع إلقاء تلك النفايات في وقت مبكر من العام القادم بحثا عن الآثار المستمرة.

وفي سبتمبر/ ايلول 2012، نشرت منظمتا العفو الدولية والسلام الأخضر تقريرا بعنوان “الحقيقة السامة” وثقتا فيه دور شركة ترافيغورا في إنتاج النفايات السامة وإلقائها لاحقا.

ووجه التقرير إحدى التوصيات إلى حكومة المملكة المتحدة يحثها فيها على النظر في إمكانية بدء ملاحقة شركة ترافيغورا ليميتد جنائيا – بصفتها الشركة التابعة ومقرها في المملكة المتحدة – وآخرين غيرها أيضا. كما حث فرع منظمة العفو الدولية في المملكة المتحدة مدير الادعاء العام على النظر في إمكانية متابعة تحقيق جنائي بحق الشركة.  وعلى حد علم منظمة العفو الدولية، فلم تقم سلطات المملكة المتحدة بأي تحرك من أجل البدء بالتحقيق.

ولا زالت العديد من القضايا التي تم تحريكها ضد ترافيغورا قيد النظر في كوت ديفوار.  كما لوحق بعض الأفراد والكيانات جنائيا في هولندا – بما في ذلك الشركة الهولندية الأم المالكة لترافيغور وتُدعي “ترافيغورا بيهير بي في” ولكنها تُلاحق لقيامها باستيراد النفايات وتصديرها بشكل غير قانوني عبر أمستردام.

وقام حوالي 30.000 من ضحايا عملية إلقاء النفايات بتحريك دعوى مدنية في المملكة المتحدة، وأدت إلى الحكم لهم بتعويضات قدرها 30 مليون جنيه استرليني يتم دفعها ضمن اتفاق تسوية تم التوصل إليه خارج إطار المحكمة في عام 2009.  كما دفعت ترافيغورا بعض التعويضات للحكومة الإيفوراية.  ولكن الاحتيال وانعدام الاستقرار السياسي في ساحل العاج حالا دون وصول معظم تلك الأموال إلى مستحقيها من ضحايا كارثة إلقاء النفايات السامة.

وإلى اليوم، لم تُلاحق ترافيغورا أو مسؤولوها جنائيا في أي بلد على دورهم في عملية إلقاء النفايات السامة.  ولطالما زعمت الشركة أنها غير مسؤولة عن إلقاء النفايات أو تبعات ذلك

 ولقد أوعزت منظمة العفو الدولية لمكتب المحاماة البريطاني ” Bindmans LLP ومحامو المرافعات One Crown Office Row للتوكل عنها في تحريك القضية أمام المحكمة العليا.