“أخطر مطلوبي” أحداث تيانانمن – أربعة ناشطين أصبحوا مصدر إلهام يتذكرون القمع – الجزء الثاني

في الجزء الثاني من السلسلة التي تقع في جزأين، يتحدث اثنان من الذين أُدرجت أسماؤهما على قائمة “أخطر المطلوبين في الصين” عن الدور الذي قاما به في احتجاجات تيانانمن عام 1989، ويطلعا منظمة العفو الدولية على تجربتيهما.

إقرأ الجزء الأول هنا

شاو جيانغ: “لا زال بإمكان المرء أن يتحدث داخل الصين عما جرى”

عندما اجتمع شاو جيانغ سرا عام 1989 مع مجموعة صغيرة من الأصدقاء في سكن الجامعة الداخلي على مقربة من بكين، لم يخطر ببيالهم أنهم كانوا بصدد كتابة التاريخ حينها.

كان شاو جيانغ في الثامنة عشرة من عمره وأحد زعماء الطلبة، حيث اعتاد تهريب المجلات المنادية بالديمقراطية وتنظيم الحوارات في الجامعة وانتقاد الفساد الذي استشرى في أجهزة الحزب الشيوعي الصيني.

ومن منفاه في لندن، يوضح شاو قائلا: “في البداية كانت المجموعة صغيرة جدا.  وكنا مضطرين لتوخي أقصى درجات الحذر والعمل ليلا.  وكنا نتحدث عن بعض وسائل الإعلام الأجنبية وتناولها للأحداث في الصين.  وكان يتم ذلك كله تحت غطاء من السرية”,

وما بدأ كتجمعات غير رسمية نما ليتخذ شكل اجتماعات ضخمة.  وبحلول عام 1989 شكل الطلبة من جميع أنحاء البلاد حركة واحدة وسرعان ما طرحت فكرة تنظيم احتجاج في ميدان تيانانمن.

ومرتديا قميصه الذي يحمل الصورة التاريخية للرجل الذي وقف أمام دبابة في ميدان تيانانمن، يصف شاو جيانغ أيام الاحتجاجات والقمع الذي تلاها كما لو أنها جرت بالأمس.

ويوضح شاو قائلا: “لم يحدث شيء من ذلك القبيل في السابق أبدا.  بدأ الأمر ببعض الطلبة ثم سرعان ما انضم آخرون كثر”.

وأضاف قائلا: “وفي 3 يونيو/ حزيران، كان بوسع المرء أن يشتم رائحة الغاز المسيل للدموع تفوح من الأحياء القريبة من ميدان تيانانمن.  أذكر أنني كنت أتجول يومها وأشاهد الجرحى.  وشاهدت أحد الأطباء يصرخ قائلا: أنا طبيب لا تطلقوا النار علي، وذلك أثناء محاولته مد يد العون لبعض الجرحى”.

وبعد قمع الحركة الطلابية، عاد شاو جيانغ إلى السكن الداخلي في الجامعة وحمل بعض مقتنياته وأخفى جميع المجلات السياسية.  وكآخرين كثر غيره، توارى عن الأنظار خشية ما يمكن أن يحل به لو عثرت الشرطة عليه.

وتمكن شاو من تفادي قبضة السلطات الصينية طوال ثلاثة أشهر قبل أن تقبض عليه وهو يحاول مغادرة البلاد.

وأُفرج عنه بعد بضعة أشهر.  وعقب سنوات من التعرض لمضايقة السلطات جراء العمل الذي يقوم به، تمكن من الانتقال للإقامة في المملكة المتحدة حيث يشارك في حملات الآن كي تأخذ العدالة مجراها على صعيد ما حدث في تيانانمن.

 واختتم شاو سرده لتجربته قائلا: “في أول عشر سنوات تلت أحداث تيانانمن، كان الناس يخافون أيما خوف من الخوض في الموضوع.  ولكن حتى لو كنت داخل الصين، فبإمكانك الحديث عن الموضوع وحقيقة ما جرى.  فلقد علمتنا أحداث تيانانمن أن التحرك على نطاق ضيق يمكن أن يحدث فرقا هائلا.  ولا زلت مداوما على العمل من أجل تحقيق العدالة وحقوق الإنسان لأن الصين لا زالت بحاجة إلى التغيير”.

وانغ دان: “لست نادما أبدا”

بعد قمع المحتجين في ميدان تيانانمن، كان اسم وانغ دان أو اسم يرد على قائمة “اخطر مطلوبي” الصين وأمضى على إثرها ست سنوات في السجن.

وقبيل الأحداث، أي في ربيع عام 1989، كان وانغ في العشرين من عمره ويدرس في جامعة بكين حيث نظم حوارات حول الديمقراطية هناك.

وأوضح وانغ بصوت هادئ قائلا: “كنت واحدا بين العديد من قادة الطلبة أثناء الحركة.  ولا أعلم سبب إدراج اسمي كأول اسم على القائمة الشهيرة”.

وتابع وانغ قائلا: “كنا جيلا اهتم بالأوضاع السياسية.  لقد كنا نهتم بمستقبلنا السياسي.  والتمسنا من الحكومة أن تستحدث مؤسسات ديمقراطية تقينا من الفساد”.

وفي 26 أبريل/ نيسان 1989، وسمت الحكومة الطلبة بأنهم “أعداء الثورة” وذلك في المقال الافتتاحي في صحيفة “الشعب اليومية”.  وبالنسبة لوانغ دان، كانت تلك خطوة هامة زادت من عزيمة الطلبة وإصرارهم.

واضاف دانغ قائلا: “لقد أدخلنا المقال في الصحيفة في خضم المعمعة.  وكنا على وشك العودة إلى مقاعد الدراسة حينها.  فجاء المقال ليصفنا حينها بأننا أعداء الدولة”.

ولقد تجاهلت الحكومة الدعوات التي أطلقها الطلبة كي تصدر إدانة لما ورد في المقال من مزاعم.

وقال وانغ: “أملت الحكومة في أن نفقد الرغبة في النضال بمرور الوقت.  ولهذا السبب توجهنا إلى ميدان تيانانمن وأعلنا إضرابا عن الطعام.  لقد كنا بحاجة إلى مستويات أعلى من الاحتجاج”.

وبدأ الإضراب عن الطعام في 13 مايو/ أيار وحظي بتأييد واسع النطاق بين العمال العاديين، ما حول حركة الطلبة إلى حركة شعبية بكل معنى الكلمة.

ويقول وانغ: “لم أقلق بشأن المستقبل.  ولم نتوقع من الحكومة أن ترسل القوات لتصد شعبها.  فلقد اعتقدنا أنها أردات أن تلوح بالقوات كي تخيفنا فقط”.

وعندما فتح الجنود نيران أسلحتهم ليلة 3 يونيو/ حزيران، كان وانغ دان متواجدا في السكن الداخلي في الجامعة.

ويعلق وانغ قائلا: “أتصل أحد الزملاء من مكان ما في ميدان تيانانمن.  وقال لي بالحرف الواحد: (لقد بدأت عملية القمع.  ولقد قُتل أشخاص).  فحاولت التوجه إلى الميدان ولكن الشرطة قطعت جميع الطرقات المؤدية إليه.

“كنت في حالة صدمة يومها.  ولم أتفوه ببنت شفة طوال ثلاثة أو أربعة أيام”.

وساعد بعض الأصدقاء وانغ دان على التواري عن الأنظار طوال أسابيع إلا أن السلطات تمكنت من اقتفاء أثره في نهاية المطاف في 2 يوليو/ تموز.

وأمضى وانغ أربع سنوات في السجن قبل أن يُفرج عنه في عام 1993.  كان بوسعه مغادرة الصين حينها ولكنه قرر البقاء والحديث عن الديمقراطية بدلا من ذلك.

وأضاف وانغ قائلا: “أردت أن أتابع نضالي.  فلقد كان لزاما عليّ أن أبذل المزيد من الجهود من أجل الذين قُتلوا.  ولا زلت أرى أن هناك إمكانية للتغيير.  ولهذا السبب قررت البقاء داخل الصين”.

وبعد أقل من سنتين، دخل وانغ السجن ثانية كي يمضي حكما مدته 11 سنة هذه المرة.

ولكن أُفرج عنه بشكل مشروط بعد سنتين فقط لأسباب طبية وشريطة خروجه للعيش في المنفى الاختياري.

ويقول وانغ: “كان قرار المغادرة قرارا صعبا جدا، كوني أيقنت أنه لن يكون بوسعي مشاهدة أفراد أسرتي.  ولكن لو رفضت المغادرة لبقيت حبيس السجن.  ولما تمكنت حينها من القيام بأي شيء”.

وتابع وانغ دراسته في جامعتي هارفارد وأوكسفورد وهو يدرس الآن العلوم السياسية في إحدى جامعات تايوان.

واختتم وانغ تعليقه قائلا: “لو كنت ما زلت داخل الصين لما كان بوسعي القيام بأي شيء.  بل لكانت الشرطة سوف تتعقبني في كل مكان ولما تمكنت من الاتصال بالأشخاص.  وأما خارج الصين فبإمكاني أن أتحدث بحرية على الأقل.

“ولست نادما على حصل أبدا.  فمستقبلنا بحاجة إلى بعض التضحيات.  ولست نادما أبدا.  لقد كانت حركة تنويرية؛ إذ لامست الديمقراطية روح الشعب الصيني العادي.  ولقد عملت الحركة على تنوير أجيالنا القادمة”.