ينبغي على الرئيس المصري رفض القوانين المعيبة لمكافحة الإرهاب

قالت منظمة العفو الدولية إن مشروعي القانونين الجديدين لمكافحة الإرهاب، اللذين من المقرر أن يصدق عليهما الرئيس المصري، يتسمان بأوجه قصور شديدة، وينبغي إلغاؤهما أو إجراء تعديلات جوهرية عليهما. وكان مشروعا قانونين لمكافحة الإرهاب قد أُرسلا للرئيس المؤقت عدلي منصور، يوم 3 إبريل/نيسان 2014، ومن الممكن أن يتم التوقيع عليهما في أي وقت، ومن شأنهما منح السلطات المصرية مزيداً من الصلاحيات لتكميم حرية التعبير والزج بالمعارضين والمنتقدين في السجون.وقالت حسيبة حاج صحراوي، نائبة مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية، “إن هذين المشروعين المعيبان بشدة عُرضة لإساءة الاستخدام لأنهما يتضمنان تعريفاً فضفاضاً ومبهما للإرهاب”.ومضت حسيبة حاج صحراوي تقول: “إن التشريع المقترح ينتهك أيضاً الحق في حرية التعبير، ويقوِّض ضمانات الوقاية من التعذيب والاحتجاز التعسفي، ويوسِّع نطاق تطبيق عقوبة الإعدام”.هذا وتشهد مصر تصاعداً في الهجمات المسلحة المميتة، والتي تستهدف بالأساس المباني الحكومية ونقاط التفتيش التابعة للقوات المسلحة وغيرها من المؤسسات والشخصيات الأمنية، وخاصةً في منطقة شمال سيناء المضطربة، وذلك منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسي، يوم 3 يوليو/تموز 2013.ومضت حسيبة حاج صحراوي تقول إنه “من واجب الحكومة المصرية منع الهجمات العنيفة والتحقيق في وقائعها ومعاقبة مرتكبيها، ولكن يتعين عليها وهي تفعل ذلك أن تتقيد بالتزاماتها بموجب القانون الدولي”.وفي مشروع القانون الذي أُرسل إلى الرئيس المؤقت عدلي منصور، تم توسيع التعريف القائم للإرهاب بحيث بشمل أي عمل من شأنه “إلحاق الضرر بالبيئة أو بالموارد الطبيعية أو بالآثار أو بالأموال أو بالمباني العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها، أو منع أو عرقلة السلطات العامة أو مصالح الحكومة أو الوحدات المحلية أو البعثات الدبلوماسية والقنصلية”.كما اتسع تعريف الإرهاب ليشمل “كل سلوك من شأنه الإضرار بالاتصالات أو بالنظم المعلوماتية أو بالنظم المالية أو البنكية، أو بالاقتصاد الوطني”.وتعليقاً على ذلك، قالت حسيبة حاج صحراوي إن “مشكلة هذه الصياغة الفضفاضة لتعريف “الجرائم الإرهابية” هي أنها يمكن أن تتيح للسلطات توجيه تهمة الإرهاب لأي ناشط سلمي تقريباً”.وأضافت حسيبة حاج صحراوي قائلةً: “إن تعريف الإرهاب ينطوي على تجريم الإضرابات والمظاهرات السلمية في المدارس والجامعات، وكذلك المسيرات التي تنطلق من المساجد، بذريعة أن مثل هذه الأنشطة المشروعة تضر بالوحدة الوطنية أو تعرقل عمل المؤسسات العامة أو تضر بالاقتصاد”.ويُذكر أن كثيراً من المسيرات منذ “ثورة 25 يناير” تُنظم في أعقاب الصلاة، بما في ذلك المسيرات التي يقوم بها أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي.ويوسِّع مشروع القانون نطاق استخدام عقوبة الإعدام، وينص على تطبيق العقوبة حتى وإن لم تسفر الأعمال “الإرهابية” المرتكبة عن خسائر في الأرواح. ومن بين الجرائم التي تُطبق عليها العقوبة جرائم إنشاء أو تنظيم أو إدارة منظمة إرهابية.وقالت حسيبة حاج صحراوي إنه “بدلاً من تخفيض عدد الجرائم التي يُعاقب عليها بالإعدام، فإن السلطات المصرية توسع نطاقها لتشمل جرائم لا تسفر عن خسائر في الأرواح. ومما يثير القلق أن ذلك قد يؤدي إلى مزيد من أحكام الإعدام الجماعية”.

قوانين قمعية جديدة

وينص مشروع قانون آخر مقترح على أنه يجوز لقوات الأمن احتجاز المقبوض عليهم لمدة 72 ساعة، ويمكن تمديدها لسبعة أيام أخرى، وهو الأمر الذي يُخالف القانون الدولي وكذلك الدستور المصري الذي اعتُمد مؤخراً، حيث ينص على أن كل من يُقبض عليه يجب أن يُعرض على النيابة خلال 24 ساعة من القبض عليه.والمعروف أن الفترة التي تعقب القبض هي أكثر الفترات التي يكون فيها المُحتجز عرضةً للتعذيب أو غيره من صنوف المعاملة السيئة، مثلما أظهرت بحوث منظمة العفو الدولية.ومن ناحية أخرى، لا ينص مشروعا القانونين صراحةً على ضرورة استبعاد “الاعترافات” المنتزعة تحت وطأة التعذيب من أدلة الإثبات.وينص مشروع القانون على أن يُعاقب بالسجن لمدة أقصاها ثلاث سنوات كل من تعدى بالقول على موظف عمومي أو فرد من أفراد الأمن أو أي شخص مكلف بوظيفة عامة أثناء تأدية أعمالهم، وهو الأمر الذي يمثل انتهاكاً للحق في حرية التعبير.وهناك مشروع قانون آخر يمنح السلطات صلاحيات أوسع في الاطلاع على الحسابات المصرفية ومراقبة الاتصالات الهاتفية للأفراد والجمعيات بدون موافقة سلطة مستقلة، مثل القضاء. ومن الممكن أن تُستخدم هذه الصلاحيات بشكل منتظم لقمع حريات الأفراد ومنظمات المجتمع المدني.وفي الوقت نفسه، فإن القوانين المقترحة تلزم الصمت بخصوص واجب الدولة في إقرار واحترام الحقوق الإنسانية لضحايا الأعمال الإرهابية، بما في ذلك المسيحيون وأبناء الأقليات.كما ينص مشروعا القانونين على منح رئيس الجمهورية سلطة إعلان حالة الطوارئ دون الحصول على موافقة البرلمان.ومما يبعث على القلق أن هذا يعيد إلى الأذهان فترة حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، حيث احتُجز أشخاص بدون تهمة أو محاكمة، طيلة عقود أحياناً، بموجب قانون الطوارئ المصري.وقالت حسيبة حاج صحراوي “إن الطابع القمعي لهذه التشريعات، التي تتناقض مع التزامات مصر، يشير إلى أنها سوف تمهد الطريق لمزيد من الانقضاض على منظمات المجتمع المدني وعلى مناوئي الحكومة ومنتقديها، بدلاً من التصدي لخطر الإرهاب”.واختتمت حسيبة حاج صحراوي تصريحها قائلة: “ينبغي على الحكومة تغيير المسار واعتماد نهج يقوم على احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون”.

خلفية

ينص واحد من مشروعي القانونين على تعديل بعض الأحكام المتعلقة بالإرهاب في قانون العقوبات المصري، بينما يتضمن المشروع الثاني أحكاماً إجرائية تتعلق بمكافحة الإرهاب والتعاون القضائي الدولي.وتشعر منظمة العفو الدولية بالقلق من الطابع الفضفاض والمبهم بشدة لتعريف الجرائم الإرهابية في مشروع القانون، حيث يوسِّع نطاق ما يُعتبر عملاً “إرهابياً”، وفقاً للتاعريف الوارد في قانون العقوبات منذ إقرار القانون رقم 97 لعام 1992.ويشمل التعريف الحالي أي استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع بهدف “الإخلال الجسيم بالنظام العام… أو تعطيل تطبيق أي من أحكام الدستور أو القوانين أو اللوائح”، أو “إلحاق الضرر بالمباني أو بالأملاك العامة أو الخاصة”، أو “منع أو عرقلة السلطات العامة… من ممارسة كل أو بعض أوجه نشاطها، أو منع قيام دور العبادة أو مؤسسات ومعاهد العلم بأعمالها”.وقد وثَّقت منظمة العفو الدولية حالات قُبض فيها على متظاهرين سلميين واحتُجزوا بتهم تتسم بالإبهام الشديد، من قبيل تعطيل تطبيق أحكام الدستور والقوانين، وعرقلة المؤسسات العامة عن القيام بعملها.ومن بين الجرائم التي يُعاقب عليها بالإعدام في مشروعي القانونين جريمة “إنشاء أو تأسيس أو تنظيم أو إدارة” “منظمة إرهابية”. ويُذكر أن السلطات المصرية قد قررت في ديسمبر/كانون الأول 2013 تصنيف جماعة “الإخوان المسلمين” باعتبارها جماعة إرهابية، ولكنها لم تقدم أدلة ثبوتية على ضلوعها في هجمات إرهابية. والملاحظ أن ضمانات المحاكمة العادلة، التي يقتضيها القانون الدولي في القضايا التي تنطوي على أحكام بالإعدام، كثيراً ما أُهدرت في مصر، بما في ذلك في قضايا أفراد اشتُبه في ارتكابهم أنشطة تتعلق بالإرهاب.وبموجب مشروع القانون، فإنه يجوز للنائب العام، وليس لقاض مستقل، سلطة إصدار الأمر بالمراقبة، بما في ذلك الاطلاع على الحسابات المصرية ومراقبة الاتصالات الهاتفية. وبدون رقابة مستقلة على هذه السلطة، فمن الممكن أن تسيء السلطات استخدامها من أجل مضايقة وترهيب المنظمات غير الحكومية، مثل منظمات حقوق الإنسان، بسبب اشتراكها في أنشطة تنتقد الحكومة.كما يفرض مشروع القانون عقوبات مشددة على أفعال قد تكون سلمية تماماً، من قبيل الانتماء إلى منظمة مصنفة بأنها إرهابية، حيث يُعاقب على ذلك بالسجن لمدة أقصاها 10 سنوات. ويواجه مئات من مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي هذه التهمة.ويتغاضى المشروع عن حكم المادة 17 من قانون العقوبات، والتي تجيز للقاضي تخفيف العقوبة في جرائم معينة. ومن شأن هذا الإجراء أن يهدر مبدأ المساواة أمام القانون.