ليبيا: ينبغي تسليم الرئيس السابق لجهاز المخابرات الليبي إلى المحكمة الجنائية الدولية

في ظل التقارير التي أوردت نبأ قيام موريتانيا بتسليم عبد الله السنوسي إلى ليبيا، صرحت منظمة العفو الدولية اليوم أنه كان من الأجدر بالسلطات الموريتانية أن تبادر إلى تسليم رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية إبان حكم العقيد معمر القذافي إلى المحكمة الجنائية الدولية كي يحاكم بتهم تتعلق بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. ففي يونيو/ حزيران من عام 2011، سبق للمحكمة الجنائية الدولية وأن أصدرت مذكرة توقيف بحق السنوسي، والعقيد القذافي، وابنه سيف الإسلام، بتهمة ارتكاب جريمتين ضد الإنسانية – ألا وهما القتل العمد، والاضطهاد – وهما الجريمتان اللتان زُعم أن هؤلاء الثلاثة قد أقدموا على ارتكابهما في مدينة بنغازي الساحلية شرق ليبيا في فبراير/ شباط من عام 2011.  وكان السنوسي في عهدة السلطات الموريتانية منذ مارس/ آذار 2012، أي منذ أن تم اعتقاله حينها في مطار العاصمة الموريتانية، نواكشوط.وفي يوليو/ تموز الماضي، أكد وزير العدل الموريتاني لمنظمة العفو الدولية أن السنوسي قد دخل البلاد بصورة غير شرعية، وأنه محتجز في ظل ظروف احتجاز جيدة.  وأضاف الوزير بأن الحكومة الموريتانية كانت تنظر في الطلبات التي تقدمت بها ليبيا وفرنسا لتسليمهما السنوسي، إضافة إلى طلب التسليم المقدم من المحكمة الجنائية الدولية.  ولم يكن بالإمكان التأكد مما إذا كان السنوسي قد تمكن من الاتصال بمحام، وطبيب مستقل من اختياره، أو بمسؤولي المحكمة الجنائية الدولية. وقال مدير برنامج الأبحاث والسياسات والحملات في منظمة العفو الدولية، ماريك مارزينسكي: “عوضاً عن قيامها بتسليم السنوسي إلى ليبيا، حيث يُحتمل أن يواجه محاكمة جائرة، وعقوبة الإعدام على ارتكاب جرائم عادية بموجب أحكام القانون الوطني، كان من الأجدر بموريتانيا أن تعطي طلب التسليم المقدم من المحكمة الجنائية الدولية الأسبقية على غيره من الطلبات – حيث سوف يواجه في المحكمة تهماً بارتكاب جرائم ضد الإنسانية ضمن إطارٍ من الإجراءات العادلة والمنصفة”.وأردف مارزينسكي قائلاً: “وإذا ما تأكدت الأنباء التي تحدثت عن تسليم السنوسي، فإن القرار بإرساله إلى ليبيا – التي تعاني ضعف نظامها القضائي، ولا توفر ضمانات كافية لإجراء محاكمة عادلة – سوف يعرقل تحقيق العدالة دون شك بالنسبة للضحايا، وقد يؤدي إلى الافتئات على حق السنوسي بالحصول على محاكمة عادلة”.وتابع مارزيسنكي تعليقه مشيراً إلى أن ” مذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق السنوسي تظل سارية المفعول، وأنه ثمة التزام على ليبيا يقتضي قيامها بتسليم السنوسي إلى المحكمة في لاهاي دون تأخير”. وفي أعقاب القبض على سيف الإسلام القذافي أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 في ليبيا، رفضت السلطات الليبية تسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية، معربةً عن إصرارها على أنه سوف تتم مقاضاته محلياً.  وكانت تلك الخطوة انتهاكاً صارخاً لمقتضيات القرار 1970 الصادر عن مجلس الأمن، والذي ينص على ضرورة قيام السلطات الليبية “بالتعاون بشكل كامل مع المحكمة والمدعي العام، وتوفير المساعدة الضرورية التي يحتاجان إليها”. وتنظر المحكمة الجنائية الدولية حالياً في الطعن القانوني الذي تقدمت الحكومة الليبية به في مايو/ أيار سنة 2012، والذي أكدت ليبيا فيه على قدرتها ورغبتها الصادقة في مقاضاة سيف الإسلام القذافي في محاكمها.

نظام العدالة المتهاوي في ليبيا

وعلى الرغم من المزاعم التي ساقتها ليبيا في الطعن المذكور، فيظل نظام العدالة الليبي نظاماً يعتريه الضعف، ويشوبه الاستخفاف بمبدأ المحاكمات العادلة، وقد اتضح ذلك جلياً في يوليو/ تموز الماضي أثناء حادثة توقيف واحتجاز محامية الدفاع عن سيف الإسلام التي وكّلتها المحكمة الجنائية الدولية.واختتم مارزينسكي تعليقه قائلاً: “لقد أبرزت حادثة القبض على محامية سيف الإسلام التي عينتها المحكمة الجنائية الدولية التقويض المتنامي لحقه في الحصول على محامٍ للدفاع، وتلقي بظلال من الشك على مدى قدرة ليبيا وحقيقة رغبتها في منح رموز نظام القذافي محاكمات عادلة بالفعل”.ولا تُصنَّف الجرائم ضد الإنسانية على أنها أفعال جرمية بموجب القانون الليبي، وهو ما يخلق عقبة جدية أخرى أمام قدرة البلد على إدارة تحقيقات ناجزة وفعالة، ومحاكمة أصحاب القضايا التي تتمخض تلك التحقيقات عنها. وتعتقد منظمة العفو الدولية بأن السنوسي وغيره ممن يُعتقد بأنهم من الموالين للنظام السابق يواجهون خطر التعرض للتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة أثناء تواجدهم في الحجز، وينص القانون الليبي على فرض عقوبة الإعدام في بعض الجرائم، وهي عقوبة تعارضها منظمة العفو الدولية في جميع الأحوال بوصفها انتهاك للحق في الحياة، وأقصى أشكال العقوبة القاسية واللاإنسانية والمهينة.ولا يزال آلاف ممن يُزعم أنهم كانوا من جنود القذافي والموالين له محتجزين في ليبيا دون توجيه أية تهم إليهم أو محاكمتهم.  ولقد تعرض العديد منهم إلى التعذيب وغير ذلك من أشكال الإساءة، وأُجبروا على الإدلاء “باعترافات” انتُزعت منهم تحت التعذيب، أو بالإكراه.  

فظائع الماضي

ويُذكر بأنه لطالما اتهم الرأي العام عبد الله السنوسي بارتكاب جرائم أخرى في ليبيا خلال العقود الأربعة الماضية، وخصوصاً قيامه بتنفيذ إعدامات دون محاكمة بحق أكثر من 1200 سجين في سجن أبو سليم عام 1996.