ينبغي ألا يخدع أداء مصر في الأمم المتحدة العالم

الصورة: FABRICE COFFRINI/AFP/Getty Images 

بقلم نيكولاس بيشاود، الباحث في الشأن المصري في منظمة العفو الدولية

Npiachaud@

إذا كان هناك شيء واحد لا يمكن أن تُتهم به مصر، فهو عدم القدرة على تقديم عرض مسرحي رائع.

آخر تلك العروض الممتازة كان الجمعة، عندما واجهت البلاد “مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان” في جنيف، وتعهدت – مع عدم وجود نية أبداً في ذلك- بإصلاحات في مجال حقوق الإنسان.

فبمهارة بارعة، تهرب ممثلو مصر من التفحص الدولي في أزمة حقوق الإنسان التي تتعمق في البلاد، في حين يروجون للعالم صورة عن الازدهار والنمو والاستقرار.

وبينما كنت أتابع الجلسة، كان هناك اسم واحد في ذهني: شيماء الصباغ.

إذ فارقت شيماء الحياة في شوارع القاهرة، في 24 يناير/كانون الثاني 2015.

حيث كانت هي ومجموعة صغيرة سلمية من أعضاء “حزب التحالف الشعبي الاشتراكي” يسيرون من وسط القاهرة إلى ميدان التحرير.

قالت لنا امرأة ساعدت بنقلها سريعاً إلى المستشفى: “كانت مستلقية في حضني وكانت تنزف من فمها”. أضافت “لم تكن تتحرك. ولم يكن هناك أي دليل على الحياة في وجهها”.

نيكولاس بيشاود، الباحث في الشأن المصري في منظمة العفو الدولية

أرادوا وضع الزهور إحياء لذكرى أرواح المئات من الذين لقوا مصرعهم في المظاهرات، وهم يطالبون بالخبز والحرية والعدالة الاجتماعية.

ولكن عوضاً عن أن يجد هؤلاء أمامهم طريقاً مفتوحاً، سدت قوات الأمن المدججة بالسلاح طريقهم. وتوقفت المسيرة، على بعد بضعة أمتار من صفوف الشرطة.

جرت مناقشة موجزة بين قائد المسيرة وقائد الشرطة، بحسب ما أخبرنا به شاهد عيان في وقت لاحق. ثم أشار قائد الشرطة بيده باتجاه المتظاهرين. وفتحت قوات الأمن النار من مسافة قريبة.

اللحظة التي أطلقت فيها قوات الأمن النار على شيماء الصباغ ضاعت في زحمة الأحداث. ويتعين التقاطها من خليط من لقطات الفيديو، والصور الثابتة، وكلمات أولئك الذين كانوا هناك معها.

قالت لنا امرأة ساعدت بنقلها سريعاً إلى المستشفى: “كانت مستلقية في حضني وكانت تنزف من فمها”. أضافت “لم تكن تتحرك. ولم يكن هناك أي دليل على الحياة في وجهها”.

وبعد حوالي شهرين، لا تزال السلطات المصرية تنكر ما حدث.

وبمرور الأسابيع، أصبح من الواضح تماماً أن أعضاء المجتمع الدولي الذين ينبغي أن يشعروا بالقلق، يميلون هم أيضاً للتظاهر بأن الحادثة لم تقع قط ..

وبدأ التستر على الفور.

فبينما هزت صور وفاة شيماء الصباغ موقعي”تويتر” و”فيسبوك”، حملّت وزارة الداخلية المصرية “متسللين” مسؤولية وفاتها – مبرئة قوات الأمن، من دون أي تحقيق، ومنكرة استخدامهم الأسلحة النارية في ذلك اليوم.

وفي غضون ذلك، اعتقلت قوات الأمن بعض الأشخاص الذين حاولوا إنقاذ شيماء الصباغ بينما كانت تحتضر، في حين هددت النيابة العامة الشهود على مقتلها بالاعتقال.

“شهدت بما رأيت، وبأن المسيرة كانت سلمية”، قالت لنا محامية حقوق الرائدة عزة سليمان. “بعد ذلك، أبلغني المدعي العام بوضعي تحت الإقامة الجبرية”.

شهدت بما رأيت، وبأن المسيرة كانت سلمية”، قالت لنا محامية حقوق الرائدة عزة سليمان. “بعد ذلك، أبلغني المدعي العام بوضعي تحت الإقامة الجبرية”.

نيكولاس بيشاود

ولكن ألم نشاهد حدثاً مثل هذا في مكان ما من قبل؟

في يونيو/حزيران 2009، صوّر متظاهر إيراني بالهاتف المحمول وفاة ندا آغا سلطان، البالغة من العمر 27 عاماً، خلال المظاهرات الصاخبة التي اثارتها الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة.

حيث قال النشطاء الذين شاركوا في الاحتجاج أن مسلحاً برفقة الميليشيات التي ترعاها الدولة أطلق عليها النار.

ثم، وكما هو الحال الآن، انتشرت هذه اللقطات في جميع أنحاء العالم كالنار في الهشيم.

حاولت السلطات الايرانية ترحيل المسؤولية، بإلقاء اللوم على شبكات الأخبار الدولية التي قالت إنها “لفقت” القصة واتهمت السي آي أيه بقتلها – وأشارت بأصابع الاتهام حتى إلى الطبيب الذي كان قد هرع لمساعدة ندا.

هناك تشابه غريب بين وفاة هاتين المرأتين، اللتين لقيتا حتفهما في احتجاجات تفصل بينها ست سنوات ومئات الأميال عن بعضها البعض.

ما هو مختلف هو عدم وجود إدانة دولية لمصر.

فالدول التي قالت إنها كانت غاضبة عن مقتل ندا آغا سلطان في إيران، في ،2009 عُقد لسانها في ظروف غامضة فيما يتعلق بوفاة شيماء الصباغ في مصر في 2015.

ولم يكن اسم شيماء الصباغ على شفاه أحد في مؤتمر الاستثمار البراق في شرم الشيخ من 13 إلى 15 مارس/آذار، حيث جلس المسؤولون المصريون مع كبار الشخصيات والدبلوماسيين وكبار رجال الأعمال من مختلف أنحاء العالم.

بيد أن الحكومات أشارت إلى مناقشات “الاستعراض الدوري الشامل” للأمم المتحدة، الذي يجب على جميع أعضاء مجلس حقوق الإنسان الخضوع له كل أربع سنوات ونصف السنة، كدليل على أنها تأخذ الوضع في مصر على محمل الجد.

ولكن في الحقيقة، هم يعلمون أنه وبعد مارس/آذار الحالي، فإن مصر سوف تسقط جدول أعمال المجلس تماماً. فمصر تعرف أنها لن تخضع لمزيد من التدقيق لسجلها في مجال حقوق الإنسان من قبل الهيئة حتى الاستعراض الدوري المقبل – في 2019.

وبحسب ما أخبرنا به مسؤولون حكوميون، ثمة أزمات أخرى تكتظ بها مصر.

ولكن هذا عذر واهٍ. والحقيقة هي أنه من الأسهل بكثير تكوين الصداقات مع مصر من الوقوف ضدها. ومن المعروف أن وزارة الخارجية المصرية تتصرف بقسوة شديدة علانية ضد كل من يجرؤ على معارضتها.

ولا أحد يريد أن يناطح الثور في الساحة.

فبعد انتقادات جاءت من كل أنحاء البلاد لمقتل شيماء الصباغ، بما في ذلك في وسائل الإعلام المصرية الوطنية، أمر النائب العام بالقبض على ضابط الأمن الذي أطلق عليها النار.

ومع ذلك، أحال النائب العام ضابط الأمن للمحاكمة، هذا الشهر فقط، بتهمة “الضرب حتى الموت”، التي تعني عقوبة أخف من “القتل غير العمد” أو “القتل العمد”. وتتعارض التهمة مع أدلة لا تقبل الجدل، حيث ذكر تقرير الطب الشرعي بوضوح أن شيماء الصباغ قتلت نتيجة الإصابة “بعيار ناري مباشر في الظهر”.

وفي الأسبوع نفسه، بُرئت ساحة وزير داخلية الرئيس السابق حسني مبارك من قبل المحاكم المصرية من اتهامات بالفساد، مما يمهد الطريق لإطلاق سراحه بعد أن تمت بالفعل تبرئته من تهم تتعلق بقتل المتظاهرين خلال انتفاضة يناير 2011.

وحدهم المصريون العاديون يدفعون الثمن. واليوم، يحدق المتظاهرون السلميون في مصر بفوهة البندقية المصوبة إليهم.

وموتهم، سيظل، مرة تلو الأخرى، ليطارد تلك الدول التي تكرر مثل الببغاء أنه لا يمكن أن يكون هناك تنمية من دون سلام، ولا سلام ولا أمن دون تنمية، ولا سلام وأمن أو تنمية دون احترام حقوق الإنسان، بينما تسعى لشراء حصة في مستقبل مصر، من خلال طبعة السلطة لمفهوم ” الاستقرار والاستثمار والنمو”.

والحقيقة هي أنه لا يمكن أن يكون هناك استقرار من دون حقوق الإنسان. وقدحان الوقت للدول التي تقول إنها تعنى بحقوق الإنسان كي ترفع صوتها بشأن الأزمة العميقة للحقوق في مصر، وبشكل واضح لا لبس فيه، وبصوت واحد.

نشرت مقالة الرأي هذه في الأصل في صحيفة “إنترناشنال بيزنس تايمز” https://www.ibtimes.co.uk/egypts-un-theatrics-should-not-blind-us-sisis-human-rights-atrocities-1493162