الحرب في سوريا: هل أصبح مجلس الأمن مجرد محل لبيع الكلام؟

بقلم ديانا سيمان، الناشطة في الحملات المتعلقة بسورية في منظمة العفو الدولية

جلبت أنباء استعداد سوريا وقف قصفها الجوي لحلب، مدة ستة أسابيع، بارقة أمل غير معهودة لملايين السوريين الذين علقوا في براثن حرب ما انفكت نارها تستعر بلا هوادة متسببةً لهم بمعانات وخسائر مروعة.

ولكنني وجدت نفسي مضطرة وأنا أقرا تلك الأنباء غير المتوقعة هذا الصباح إلى العودة بالذاكرة إلى الوراء والتفكير بأحداث وقعت قبل سنة بالتمام والكمال. فلقد اعتمد مجلس الأمن يومها القرار 2139 بالإجماع، والذي طالب جميع أطراف النزاع المسلح بوقف الهجمات العشوائية والمباشرة التي تستهدف المدنيين وإطلاق سراح جميع المحتجزين والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية الضرورية.

وكان ذلك القرار بحد ذاته إنجازاً عقب أن ظل الطريق مسدوداً لفترة طويلة داخل أروقة مجلس الأمن، وجاء ليقدم نوعا من التخفيف لمعاناة العديد من السوريين الذين يعيشون أوضاعاً بائسة.

وكنت في نيويورك يومها، وشعرت، كما هي حالي اليوم، بالأمل يغمرني. فمجرد إبداء العالم استعداده للطلب رسمياً من أطراف النزاع بضرورة احترام المدنيين كانت خطوة غير مسبوقة بحد ذاتها.

وبعد سنة من ذلك التاريخ، لم تُترجم تلك الكلمات إلى الكثير من الأفعال مع الأسف. فلقد تجاهلت الحكومة السورية قرار مجلس الأمن جملة وتفصيلاً.

وهكذا، فلا زالت سوريا موضوعا يصلح لكوابيس مروعة.

ولا زالت الهجمات المباشرة والعشوائية على المدنيين منتشرة على نطاق واسع. فلقد تحدثت مؤخراً إلى فرح التي تقطن مدينة الرقة التي تقع على بعد حوالي 160 كلم إلى الشمال من حلب والواقعة تحت سيطرة التنظيم المعروف باسم “الدولة الإسلامية”.

وأخبرتني فرح أن طائرات الحكومة السورية قد نفذت على مدار أربعة ايام في أواخر شهر نوفمبر/ تشرين الماضي 21 ضربة جوية استهدفت المناطق السكنية وتسببت بمقتل وإصابة ما لا يقل عن 87 مدنيا.

وبوصت مرتجف، وصفت فرح على الهاتف كيف تم نقل ابنتها التي اُصيب إصابة بليغة من بين الأنقاض عقب أن دمر قصف القوات الجوية السورية منزلها بتاريخ 28 نوفمبر/ تشرين الثاني لماضي.

وقالت فرح: “كنا جميعاً داخل المنزل لحظة إصابته دون سابق إنذار بصاروخ وقت الظهيرة تقريباً. وتمكنت من حمل ابني والخروج من المنزل قبيل انهياره ولكن لم أتمكن من إنقاذ ابنتي التي كانت في الحمام”.

وذكرت فرح أنها لا تعلم بوجود أية أهداف عسكرية في الحي السكني الذي تقيم فيه.

وفي نفس اليوم، أنكر وزير الإعلام السوري عمران الزعبي أن قوات الحكومة السورية قد هاجمت المدنيين في الرقة، أو أنها قامت باستهداف المدنيين أصلاً. وقد يزعم البعض أن القذيفة التي أصابت منزل فرح ناجمة عن حملة القصف التي تقودها الولايات المتحدة ضد الدولة الإسلامية؛ ولكن بعد تحقيق معمق، اتضح لي أن طائرات قوات التحالف لم تشن أية غارات على منطقة الرقة بتاريخ 28 نوفمبر/ تشرين الثاني.

وليست الرقة هي المدينة الوحيدة التي تتعرض لهذه الهجمات الجوية الوحشية.

فلقد أخبرني محمد، وهو ناشط من حلب، أن الأحياء الواقعة تحت سيطرة المعارضة قد اصبحت أشبه ما تكون ببلدات أشباح بعد أن فر غالبية المدنيين إلى تركيا للاحتماء من القصف الجوي لا سيما البراميل المتفجرة.

ويُذكر أن البراميل المتفجرة هي عبارة عن قنابل اسطوانية الشكل محلية الصنع وشديدة الانفجار وتفتقر للتوجيه الدقيق مملوءة بشظايا وأجسام معدنية حادة ومتفجرات. وعادة ما يتم إسقاطها جوا من الطائرات العمودية، ما يزيد من صعوبة إصابة الهدف بدقة ويقود إلى وقوع إصابات في صفوف المدنيين. وقام مركز توثيق الانتهاكات، وهو عبارة عن منظمة محلية لرصد الانتهاكات، بنشر أسماء 2568 مدنياً قُتلوا في الضربات الجوية منذ أن أصدر مجلس الأمن قراره رقم 2139.

وبينما يعاني آلاف المدنيين جراء هذه الهجمات العشوائية، ثمة مئات من الناشطين السياسيين السلميين والمدافعين عن حقوق الإنسان وعمال وكالات الإغاثة والمساعدات الإنسانية والصحفيين ممن يُستهدفون في محاولة لإسكات أصواتهم.

ولا زال الكثير من هؤلاء في الحجز حتى الآن.

واعتُقل الناشط والكاتب السياسي لؤي حسين مؤخرا؛ وأخبرتني زوجته أنه احتُجز في نوفمبر/ تشرين الثاني على مقربة من الحدود اللبنانية.

ويُذكر أن لؤي حسين تزعم حركة “بناء الدولة السورية” وهي منظمة سمح نظام الأسد بتأسيسها.

ومع ذلك، فلقد احتُجز جراء مقال نشره بتاريخ 24 يونيو/ حزيران 2014 جاء فه أن “الدولة السورية تتهاوى وتنهار”.

ويُحاكم لؤي أمام المحكمة الجنائية في دمشق بتهم تتضمن “إضعاف الحس الوطني والروح المعنوية للشعب”. ويُحتجز ناشطون سلميون آخرون من المركز السوري لحرية الإعلام والرأي بينهم مازن درويش وحسين غرير وهاني الزيتاني منذ ثلاث سنوات لا لشيء سوى لما يقومون به من أنشطة في مجال حقوق الإنسان. ويُحاكمون حالياً أمام محكمة مكافحة الإرهاب بتهمة “نشر أعمال إرهابية”.

وخلاصة القول أن الناشطين وغيرهم من المدنيين قد تعرضوا للهجوم والاعتداء من جميع الأطراف.

وعليه، فلم يكن من باب المفاجأة أن نرى الجماعات المسلحة وقد تجاهلت هي الأخرى قرار مجلس الأمن الصادر في فبراير/ شباط الماضي، واستمرت في اختطاف الناشطين السلميين والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، وشنت هجمات عشوائية على المناطق التي تسيطر قوات النظام عليها مستخدمةً قذائف الهاون والصواريخ والسيارات المفخخة.

وفي مقابلة أجرتها معه مجلة “فورين أفيرز” في يناير/ كانون الثاني 2015، قال الرئيس السوري بشار الأسد أن حكومته ماضية في قتال الإرهابين. ولكنه لم يمر على ذكر أو توضيح سبب سقوط آلاف القتلي في صفوف المدنيين. وفي فبراير/ شباط الحالي، أنكر الرئيس الأسد أن قواته تستخدم البراميل المتفجرة – التي نص قرار مجلس الأمن الصادر السنة الماضية على حظر استخدامها. وعليه، فلا يبعث الأمر على عظيم المفاجأة أن نرى الحكومة السورية وقد فشلت في أن تبرهن على امتثالها لبنود قرار مجلس الأمن، لا سيما في ضوء تصريحات الرئيس الأخيرة.

ولقد أصبح من المهم اليوم أن يتحرك مجلس الأمن عقب تجاهل قراره الأخير طوال السنة الماضية. وينبغي عليه فرض حظر على صادرات الأسلحة إلى النظام السوري، وإحالة ملف الأوضاع في سورية إلى المحكمة الجنائية الدولية.

وعلى نحو مشابه، ينبغي على جميع الدول أن توقف جميع عمليات نقل شحنات السلاح والمساعدات المالية الموجهة للدولة الإسلامية وغيرها من الجماعات المسلحة المسؤولة عن ارتكاب خروقات خطيرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي. ولا بد من وقف الهجمات العشوائية والمباشرة التي تستهدف المدنيين ووضع حد لعمليات الإعدام الميداني والتعذيب والاختطاف.

وأخيراً، ينبغي على مبعوثي الأمم المتحدة إلى سورية وروسيا وإيران والسعودية وقطر وتركيا والدول الغربية استخدام نفوذهم وممارسة الضغط على الحكومة السورية، والجماعات المسلحة غير المنضوية تحت لواء الدولة، كي تنفذ أحكام القرار 2139.

وثمة ديْن لملايين السوريين المتضررين جراء النزاع في عنق كل بلد يتمتع بنفوذ في ساحة الأزمة السورية يقتضي منها ضمان تأمين مستقبل آمن لبلدهم.

فالسوريين ببساطة ليسوا بحاجة إلى كلمات جوفاء.